السؤال
بارك الله فيكم، ونفع بكم.
أنا شاب اقترضت من البنك منذ سنوات مبلغًا كبيرًا، ولكن -ولله الحمد- تبت منذ ست سنوات، وتخلصت من البطاقة الائتمانية، وضغطت على نفسي من أجل التخلص من القرض في أسرع وقت، مع العلم أنه خلال السنوات الست، ذهبت إلى البنك للاقتراض أكثر من عشر مرات، لكن ينتابني خوف وهم من أن تذهب توبتي سدى، أو أن يذهب صدقها؛ لذلك أتراجع عن القرض، والآن كثرت عليّ الالتزامات؛ مما يضغط عليّ للاقتراض، وأخاف أن أرجع وأقترض مرة أخرى، وأكون غير صادق في توبتي، أو خائنًا لها، وتضيع سنوات التوبة.
أنا مضطر لمبلغ للعلاج، ومن الصعب أن أدّخر مالًا، وأغلب راتبي يذهب للأقساط، وأخاف أن أضطر وأقترض مرة أخرى، رغم أني أحتاج إلى مبلغ للعلاج، إلا أني لم أعذر نفسي، ومرضي له ضرر عليّ اجتماعيًّا ودينيًّا، أي أن التخلص منه يجعلني اجتماعيًّا أكثر؟ فإذا طلبت من البنك تقليل القسط حتى تتحسن ظروفي، وأعالج نفسي، فهل تبطل توبتي؟ فأنا أخاف من ذلك اليوم الذي يجعلني مضطرًّا إلى اللجوء للاقتراض. وجزاكم الله خيرًا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإذا كنت اقترضت قرضًا ربويًّا، فقد ارتكبت خطأ كبيرًا، فالربا من أشد المحرمات إثمًا، وأكبرها جرمًا، وفي صحيح مسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء.
فلا يجوز الإقدام عليه إلا عند تحقق الضرورة المبيحة لارتكاب المحظور، كما قال تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [الأنعام:119].
وحد الضرورة هو ما يغلب على الظن وقوع المرء بسببه في الهلكة، أو أن تلحقه بسببه مشقة لا تحتمل، أو لا يتمكن المرء معها من تحقيق الحد الأدنى من حياة الفقراء، والضرورة ـ في حال ثبوتها ـ تقدر بقدرها، وحيث زالت الضرورة، فلا يجوز التعامل بالربا، ويرجع الأمر إلى أصله، وهو التحريم القاطع.
وإذا كنت أقدمت عليه من قبل، وتبت إلى الله منه، فنعما فعلت، ولا يغيرنك الشيطان بالعودة إليه، واثبت على توبتك.
وابحث عن الوسائل المشروعة للحصول على المال الذي تدفع به حاجتك, فابحث عن البنوك الإسلامية، أو أهل الخير للاقتراض بلا فائدة، أو الدخول في معاملة تورق مشروع لتحصل على المال، ونحو ذلك من السبل المباحة، وأكثر من الدعاء، والتذلل إلى ربك؛ ليكشف كربتك، ويقضي حاجتك، فالأمر بيده سبحانه، وقد وعد المتقين فقال: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3].
وعلى كل؛ لو وصل بك الحال إلى حد الضرورة التي تبيح ارتكاب المحظور، فلا حرج عليك حينئذ، ولا يكون ذلك نقضا للتوبة، ورجوعًا عنها.
والله أعلم.