الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الزواج مقدر وهو من الرزق

السؤال

أنا رجل في الثالثة والخمسين، وما زلت أعزب، تعسرت أموري، ولم أتوفق في حياتي، فلم أستطع تحمل تكاليف الزواج حتى الآن، فهل أقضي عمري كله في الصيام؟ ولماذا حرمني الله من رجولتي؟ وهل يكون الابتلاء فيما فطرنا الله عليه؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله تعالى أن ييسر أمرك، ويفرج كربك، ويرزقك الزوجة الصالحة، والذرية الطيبة التي تقر بها عينك.

ونوصيك بكثرة الدعاء، والتضرع إلى الله عز وجل، فهو قد أمر بالدعاء ووعد بالإجابة، فقال: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ {غافر:60}، وللدعاء شروط وآداب، يكون الدعاء معها أرجى للإجابة، وقد أوضحناها في فتوانا رقم: 119608.

والزواج نوع من الرزق، فهو كغيره من الأمور المقدرة، يأتي المسلم ما كتب له منها.

والانشغال بالدعاء أفضل من الانسياق وراء التفكير بمثل هذه الأسئلة التي ذكرتها، نعني قولك: (هل أقضي عمري كله في الصيام؟ ولماذا حرمني الله من رجولتي؟ وهل يكون الابتلاء فيما فطرنا الله عليه؟).

فإن قضيت عمرك كله في الصيام، فهذا خير كبير، وأجر عظيم، ونرجو أن تجتهد في صيام النوافل حتى بعد الزواج.

والله سبحانه يبتلي عباده بما شاء، ويشمل ذلك: ما فطر الناس عليه، ألا ترى أنه يبتليهم في أعظم فطرة خلقهم عليها، وهي: الإسلام، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، وينصرانه، ويمجسانه ...

فقد يسلط عليه من يبدل أو ما يبدل هذه الفطرة، وهو مطالب شرعًا بأن يكون على الدين الحق، وهو الإسلام، قال تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ {آل عمران:85}، وهو سبحانه له الحكمة في ذلك كله، ظهرت لنا الحكمة أم لم تظهر، ولعله أن يرفعك بصبرك عالي الدرجات، ويكفر عنك السيئات، ويبلغك بذلك ما لم تكن تبلغ بعملك، فسلم له، وفوض الأمر إليه.

وعليك أن تنازع أقداره بأقداره، ومن ذلك: الدعاء الذي أرشدناه إليك آنفًا، فقدر البلاء يدفع بقدر الدعاء، روى ابن ماجه عن ثوبان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزيد في العمر إلا البر، ولا يرد القدر إلا الدعاء... الحديث. وانظر لمزيد الفائدة فتوانا رقم: 154397.

وإننا نسأل المولى -تبارك وتعالى- أن يوسع لك في رزقك، ولكن لو لم تجد سعة في الرزق، فلا ينبغي أن تجعل ذلك عائقًا دون الزواج، فابحث عن بعض الصالحين ممن ترجو أن يهون لك هذا الأمر، ويرضى باليسير ليعفك، ويعف ابنته، وإن تيسير أمر الزواج من أسباب البركة فيه، روى الإمام أحمد في المسند عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن من يُمْن المرأة تيسير خطبتها، وتيسير صداقها، وتيسير رحمها.

ثم إن الزواج من أسباب الرزق، كما قال تعالى: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {النور:32}، وروى الترمذي، والنسائي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف.

وفقك الله لكل خير، وسلمك من كل سوء وبلاء.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني