السؤال
أنا وزوجتي ننتمي إلى جنسيتين مختلفتين، وتزوجتها وهي في عمر 18 سنة، وعمري كان 40 سنة، وحاولت الانتحار (أو أوهمتني)، ونقلتها للمستشفى، ومكثت أسبوعًا هناك، وهددتني بالسكين في بداية زواجنا، وبعدها بشهور طلبت الطلاق؛ لأنها وجدت عملًا، وتوسط أهل الخير، ولم يحدث الطلاق، لكني طلبت الشرطة للمنزل، لأنها حاولت الانتحار مرة أخرى (أو أوهمتني للتلاعب بي)، وبعد ذلك بشهور قليلة طلقتها؛ لأني وجدت مراسلات حميمة في هاتفها، ثم أرجعتها لاحقًا بعد اشتراطات، ومرت سنة، وخفت المشاكل، عدا طردي من البيت كل شهر مرتين تقريبًا بحالة عصبية تفتعلها، ثم أخيرًا دبرت حيلة من صديقاتها لإدخالي الحجز، واتهامي أني ضربتها، وإرغامي على تسوية مادية، ولم تفلح في هذا، وقد شاركت عائلتها بالكيد لي، والأيام التي ليس فيها مشاكل، هي أيام ذهبية معها، وأموت حبًّا فيها، ومضت أربع سنين من زواجنا دون أولاد، وأخاف أن تزيد المشاكل بعد الحمل إن حملت، وأخاف الأحزان من فراقها إذا تطلقنا، فحبذا لو تتكرمون برأيكم في إنهاء موضوعي معها، أو تحملها لصغر سنها، وكل مرة تؤكد لي أنها ستتعقل، أما أهلها فهم بمستوى جنونها، ولا يمكن التفاهم معهم، ويرفضون إدخال أعمامها للتوسط، فهل تقترحون الطلاق منها؟ علمًا أن عدد مرات المشاكل قلت بشكل كبير عن بداية الزواج، لكن صدمتني بخطتها، ومحاولة إدخالي السجن.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإننا لا نأمرك بطلاق هذه المرأة، ولا بإبقائها في عصمتك هكذا بإطلاق، ولكن نقول: إن الإسلام قد شرع الزواج لحكم ومقاصد عظيمة، ومن ذلك: أن يكون سكنًا لكل من الزوجين، كما قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {الروم:21}.
ومن مقاصده أيضًا: النسل، فيكون بين الزوجين أولاد، يجدون أسرة حياتها مستقرة، فينشؤون فيها نشأة سوية، ويتربون على الخير والفضيلة، وهذا يكون في حال الاستقامة، وصلاح الحال.
فإذا كان الزواج سبيلًا لتحقيق عكس مقصوده، فالفراق فيه أفضل، قال ابن قدامة في المغني: فإنه ربما فسدت الحال بين الزوجين، فيصير بقاء النكاح مفسدة محضة، وضررًا مجردًا، بإلزام الزوج النفقة، والسكنى، وحبس المرأة مع سوء العشرة، والخصومة الدائمة من غير فائدة، فاقتضى ذلك شرع ما يزيل النكاح؛ لتزول المفسدة الحاصلة منه. اهـ.
وإذا كانت المرأة سيئة الخلق، فالأولى تطليقها، روى الحاكم في المستدرك، والبيهقي في سننه، عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة يدعون الله، فلا يستجاب لهم: رجل كانت تحته امرأة سيئة، فلم يطلقها... الحديث. قال المناوي تعليقًا على هذا الحديث: فإذا دعا عليها، لا يستجيب له؛ لأنه المعذب نفسه بمعاشرتها، وهو في سعة من فراقها. اهـ.
والغالب أنه إذا حصل الطلاق قبل إنجاب الأولاد، كان أهون، وأقل أثرًا من كونه بعد الإنجاب.
وإذا ترجحت مصلحة تطليقك زوجتك، فلا تأس على ذلك، ولا تنظر إلى أمر تعلق قلبك بها، فقد قال تعالى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {البقرة:216}، ولعله بعد الفراق أن يرزق الله تبارك وتعالى كلًّا منكما من فضله، قال تعالى: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا {النساء:130}، قال القرطبي في تفسيره: أي: وإن لم يصطلحا، بل تفرقا، فليحسنا ظنهما بالله، فقد يقيّض للرجل امرأة تقرّ بها عينه، وللمرأة من يوسع عليها. اهـ.
وننبه إلى أنه ينبغي أن يكون أهل كل من الزوجين عامل إصلاح، لا عامل إفساد، يوقدون نار الفتنة بينهما، فقد جعلهم رب العزة والجلال المرجع لحل النزاع، كما قال تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا {النساء:35}.
والله أعلم.