السؤال
أليس من صفات الله العدل والحق.
أنا فتاة -الحمد لله- على درجة من الدين والخلق والجمال، تزوجت من شاب، اكتشفت بعد الزواج أنه يعمل عمل قوم لوط، وأعلم أنه من الكبائر عند الله، طلبت الانفصال عنه بعد أن تأكدت من الأمر، وبعد عناء طلقت منه. بالرغم من تعلقي الكبير بزوجي، إلا أني كنت دائما موقنة أن من ترك شيئا لله عوضه خيرا منه، وأني لا يمكنني أن أكمل حياتي مع شخص يغضب الله. دائما أدعو الله أن يجبرني ويعوضني، لكن أشعر أن حياتي توقفت بعد طلاقي. زوجي السابق تزوج بأخرى، ورزقه الله بطفل. لا أشك في عدل الله، لكن في الفترة الأخيرة دائما أفكر لماذا الله يوفقه في حياته؛ بالرغم من أنه يعصيه؟ ولماذا أنا أتحمل عواقب إثم لم أرتكبه؟ بالرغم من مرور خمسة أعوام على انفصالي إلا أني لا أستطيع أن أنسى ما حدث معي، ولا أوفق في عمل أو زواج؛ بالرغم أني -الحمد لله- أصلي وأصوم، ودائمة قراءة القرآن، وأدعو الله دائما.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنقول ابتداء: جزاك الله خيرا على حرصك على الصلاة وقراءة القرآن والدعاء، ونرجوه سبحانه أن يزيدك من فضله هدى وتقى وصلاحا، وأن يرزقك الزوج الصالح الذي تقر به عينك وتسعدين معه. وعليك الاستمرار في الدعاء، وما كتب الله لك سيأتيك بإذنه سبحانه، وهو قد وعد بالإجابة حيث قال: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ {غافر:60}، وراجعي الفتوى رقم: 119608.
وما من شك في عدله تبارك وتعالى، ولكن علينا أن لا نجعل ما يمر بنا من مواقف مقياسا لمدى عدله وحكمته من عدمها، فهو يعطي لحكمة ويمنع لحكمة. ونحن لا ندري أين الخير فلنفوض الأمر إليه. وتوفيق ذلك الرجل للزواج لا يعني أنه أفضل منك، وتأخير زواجك لا يعني أنك سيئة، بل الثابت بأدلة الشرع أنه قد يكون المنع نعمة، والبلاء رحمة، والله لا يقضي لعبده المؤمن قضاء إلا كان خيراً له، ساءه هذا القضاء أو سره.
قال بعض السلف: يا ابن آدم؛ نعمة الله عليك في ما تكره أعظم من نعمته عليك في ما تحب. وقد قال تعالى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {البقرة:216}، وقال آخر: ارض عن الله في جميع ما يفعله بك، فإنه ما منعك إلا ليعطيك، ولا ابتلاك إلا ليعافيك.
قال سفيان الثوري: منعه عطاء، وذلك أنه لم يمنع عن بخلٍ ولا عدم، إنما نظر في خير عبده المؤمن، فمنعه اختيار أو حسن نظر.
قال ابن القيم معلقاً على ذلك: المنع عطاء وإن كان في صورة المنع، ونعمة وإن كان في صورة محنة، وبلاؤه عافية وإن كان في صورة بلية، ولكن لجهل العبد وظلمه لا يَعُدُّ العطاء والنعمة والعافية إلا ما التذ به في العاجل وكان ملائماً لطبعه، ولو رزق من المعرفة حظاً وافرا لعد المنع نعمة والبلاء رحمة. اهـ.
وإذا أنعم الله على هذا الرجل بالزوجة والذرية، وهو مقيم على معاصيه، فاقرئي ماذا قال المصطفى صلى الله عليه وسلم في ذلك، روى أحمد في المسند عن عقبة بن عامر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ {الأنعام:44}.
ونؤكد عليك الاستمرار في الدعاء، ويمكنك الاستعانة بالثقات والأخيار لمساعدتك في البحث عن زوج، بل يجوز لك شرعا أن تعرضي نفسك على من ترغبين في أن يكون لك زوجا، وسبق بيان ذلك بأدلته في الفتوى رقم: 18430.
والله أعلم.