السؤال
ما حكم التجارة في السوق السوداء للدواء، بمعنى جلب أدوية ناقصة من السوق بسعر عال، وبيعها بنسبة ربح أعلى؟
ما حكم التجارة في السوق السوداء للدواء، بمعنى جلب أدوية ناقصة من السوق بسعر عال، وبيعها بنسبة ربح أعلى؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن السؤال غير كاف في تصور هذه القضية، والحكم على الشيء فرع عن تصوره -كما هو معلوم- ثم إنه من العسير البت في قضية عامة كبيرة لها جوانب متعددة، بفتوى مجملة موجزة مختصرة، وهذا من أسباب الغلط في الفتوى.
فحسبنا أن نبين لك بعض الحقائق الشرعية، التي يظهر أن لها علاقة بمثل هذه القضية، فنقول:
أولا: الأصل أن الربح ليس له حد معين في الشرع، كما سلف في الفتوى: 108071.
ثانيا: الشرع قد حظر الاحتكار، وذلك بشروط، فصلناها في الفتاوى التالية أرقامها: 30462، 148951، 170467.
ثالثا: تضرر الناس بارتفاع أسعار السلع التي يحتاجونها، يسوغ لولي الأمر فرض التسعير العادل، كما بيناه في الفتوى: 55028، وإحالاتها.
رابعا: الأنظمة الموضوعة للمصلحة العامة للناس، والتي في مخالفتها إيقاع الضرر والفساد، يجب التقيد بها، ولا تسوغ مخالفتها والاحتيال عليها.
وأما تنزيل تلك الحقائق على الواقع، فليترك لأهل الخبرة، ولمن له اطلاع ودراية بالواقع. قال ابن تيمية: وكون المبيع معلوما أو غير معلوم، لا يؤخذ عن الفقهاء بخصوصهم؛ بل يؤخذ عن أهل الخبرة بذلك الشيء؛ وإنما المأخوذ عنهم ما انفردوا به من معرفة الأحكام بأدلتها، وقد قال الله تعالى: {الذين يؤمنون بالغيب}. والإيمان بالشيء مشروط بقيام دليل يدل عليه، فعلم أن الأمور الغائبة عن المشاهدة، قد تعلم بما يدل عليها، فإذا قال أهل الخبرة: إنهم يعلمون ذلك، كان المرجع إليهم في ذلك دون من لم يشاركهم في ذلك، وإن كان أعلم بالدين منهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لهم في تأبير النخل: {أنتم أعلم بدنياكم، فما كان من أمر دينكم فإلي}، ثم يترتب الحكم الشرعي على ما تعلمه أهل الخبرة، كما يترتب على التقويم والقيامة، والخرص وغير ذلك. اهـ.
وقال ابن القيم: وقول القائل: "إن هذا غرر ومجهول" فهذا ليس حظ الفقيه، ولا هو من شأنه، وإنما هذا من شأن أهل الخبرة بذلك، فإن عدوه قمارا أو غررا فهم أعلم بذلك، وإنما حظ الفقيه يحل كذا؛ لأن الله أباحه، ويحرم كذا؛ لأن الله حرمه، وقال الله وقال رسوله، وقال الصحابة، وأما أن يرى هذا خطرا وقمارا، أو غررا فليس من شأنه، بل أربابه أخبر بهذا منه، والمرجع إليهم فيه، كما يرجع إليهم في كون هذا الوصف عيبا أم لا، وكون هذا البيع مربحا أم لا، وكون هذه السلعة نافقة في وقت كذا وبلد كذا، ونحو ذلك من الأوصاف الحسية، والأمور العرفية، فالفقهاء بالنسبة إليهم فيها مثلهم بالنسبة إلى ما في الأحكام الشرعية. اهـ.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني