السؤال
سقط مني مبلغ من المال قدره: 138 جنيها مصريًا، وفتشت عنه في الشارع الذي توقعت سقوطه فيه مني، أو فقده فيه ولم أعثر عليه، وسألت أصحاب المحال بالشارع بلا فائدة، وكان قبيل صلاة العصر، وفي الليل بعد منتصفه نزلت لقضاء حاجة، وكنت لا زلت وأنا في طريقي أتلمس أن أجد ما فقدته، وقد وجدت مبلغًا قدره: 35 جنيها مصريًا، فأخذته، وسألت أحد أصحاب المحال إن جاءهم من يطلب مالًا سقط منه، وذهبت، ولكن طوال الطريق ندمت على حمل هذا المال، لعل صاحبه يرجع يتفقده، وتمنيت في عودتي لو وجدت صاحبه يبحث عنه، ولكن لم يحدث، وقد بحثت عن فتاوى في الأمر، وقد كان فيها أن المال اليسير الذي لا يتفقده صاحبه يعتبر جائزا أخذه والانتفاع به. وهنا سؤالي: هل 35 جنيها مال يسير أم لا؟ قد يبدو سؤالًا ينم عن حمق، ولكن عسى أن أرتاح.
معلومة: كيلو الزيت المدعوم بـ 14 جنيهًا، كيلو السكر 9.5 جنيهًا، كيلو العدس 20 جنيهًا، كيلو الرز 6.5 جنيهًا. وهي سلعة مدعومة، وبالطبع السلع الحرة أعلى سعرًا.
فأنا لا أعرف إن كان يحمل همه أوساط الناس أم لا؟ وأتحير من ذلك، فربما حمل همه أناس دون غيرهم فيما هو شائع.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالوسطية في الناس تكون من حيث الغنى والفقر، ومن حيث الكرم والبخل، والعبرة تكون بالأغلب على أحوال الناس في مكان اللقطة وزمن التقاطها؛ لأن ذلك يختلف باختلاف الزمان والمكان، وباختلاف أحوال الناس.
قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع: المراد بقوله: «همة أوساط الناس» أي: تتعلق به نفوسهم ... لكونه زهيدا، كقلم يساوي درهما، فهذا زهيد لا تتبعه همة أوساط الناس، فأي إنسان يجده فهو له ... قوله: «أوساط الناس» هل المراد أوساط الناس بالمال، أو أوساط الناس بالشح، أو بهما جميعا؟ الجواب: بهما جميعا، يعني أن أوساط الناس الذين ليسوا من الأغنياء ولا من الفقراء، ولا من الكرماء الذين لا يهتمون به، ولا من البخلاء، فالبخيل همته تتبع حتى قلامة الظفر، كما قال الشاعر: بليت بلى الأطلال إن لم أقف بها وقوف شحيح ضاع في الترب خاتمه.
فالشحيح لا عبرة به، والفقير أيضا لا عبرة به؛ لأن الفقير أي شيء يضيع منه تتبعه همته، فلو ضاع منك عشرة ريالات لا تهتم بها، لكن لو ضاعت من فقير اهتم بها... إذًا أوساط الناس خلقا ومالا، خلقا يعني ليس من الكرماء الذين لا يهتمون بالأمور، ولا من البخلاء الذين همتهم تتبع كل شيء ... والذي تتبعه همة أوساط الناس يختلف باختلاف الأحوال والأماكن والأزمان، فيما سبق الدرهم الواحد تتبعه همة أوساط الناس؛ لأنه يحصل به شيء كثير، يعني يمكن أن الدرهم الواحد يشتري به الإنسان شاة ويشتري به ـ أيضا ـ حبا يطبخه ويكفي ضيفه. والآن ـ والحمد لله ـ الدرهم لا يهتم به أحد، وكذا خمسة دراهم، وكذا عشرة. والخمسون يهتم بها أوساط الناس، إذا يقدر هذا بحسب الأحوال، والأحوال يختلف فيها الناس. لكن لو قال قائل: لعل هذا الذي لا تتبعه همة أوساط الناس تتبعه همة فاقده؟ فيقال: العبرة بالأغلب، يعني رب قلم لا يساوي درهما، وعند صاحبه يساوي مائة درهم؛ لأنه تعود عليه وكتابته به سهلة وجميلة، وهذا شيء مشاهد، بعض الأشياء تكون عند صاحبها غالية، وعند الناس ليست غالية، فيقال: العبرة بالأغلب. اهـ.
وقال الشيخ ابن باز في فتاوى نور على الدرب: ما جرت العادة عند الناس أنه حقير لا يحتاج إلى تعريف، والأوقات تختلف، وقت يكون الناس في سعة وفي غنى، ويكون عندهم أموال، فيكون الحقير عندهم له شأن عند غيرهم، وتارة يكون الناس في حالة فقر وحاجة وجوع، فيكون الحقير عندهم له قيمة، فالحاصل أن هذا يختلف بحسب أحوال الجهات التي وجد فيها اللقطة ... فالحاصل أن هذا يختلف بحسب البلدان، وبحسب أحوال الناس، فقرهم وغناهم، فإذا كان برأي من وجد اللقطة أن هذا الشيء حقير ما يحتاج إلى تعريف، وإذا كان يرى أنه ليس بحقير عرَّفه سنة. اهـ.
والله أعلم.