الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الربا لا يبني المستقبل بل يهدمه

السؤال

أنا شاب في مقتبل الحياة وأرغب في أن أُكوِّن مستقبلي، وأريد أن أعمل مشروعاً صغيراً يُدِر علي ربحاً أعيش به أنا وأبنائي -القادمون إن شاء الله- وأرغب في أن اقترض بعض المال من البنك لكي أعمل المشروع، علما بأن البنك الإسلامي لا يمول الأشخاص بأموال، والمشروع يحتاج لأجور عمال وغير ذلك من السيولة المادية.
أنا في حيرة من أمري الكل يُحرم البنوك التجارية، ولكن هناك البعض يُحِلُّها.
هل إن اتبعت من يحلونها أكون قد أذنبت أم لا؟
وأرجو إقناعي بحرمة القروض، علما بأن البنوك التجارية ليست شخصاً معنياً والأرباح غير ثابتة: تتغير مع الوقت، كما أنني أرى العالم من حولي يتعامل مع هذه البنوك حتى البنوك الإسلامية لها تعاملات مع البنوك التجارية.
فلماذا أخسر وأترك الفرصة تضيع مني؟
أفيدوني جزاكم الله خيراً على هذا العمل الجليل.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فاعلم أن مستقبلك الذي يجب عليك أن تُؤمِّن السعادة فيه، وتحرص على تحصيلها هو المستقبل الذي لا محيد لك عنه، وأنت لاقيه لا محالة ألا وهو ما بعد الحياة الدنيا. فالمستقبل القبر فما بعده.
وتحصيل السعادة وتأمينها في ذلك المستقبل الذي لا محيد عنه، إنما يكون بامتثال أوامر الله -تعالى- واجتناب نواهيه.
ومن الخطأ الفادح أن يحرص المرء على تحصيل سعادة في مستقبل لا يضمن الوصول إليه، بما يُفوِّت عليه السعادة في مستقبله الحقيقي الذي هو لاقيه وخالد فيه.
لذلك أخي -الكريم- ننصحك أن تتقي الله -تعالى- وتطيعه، وتنقاد لأمره انقياداً تاماً. وتتوكل عليه، وتتبع هداه الذي أرسل به رسله -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين-؛ فإن ذلك سيؤمن لك السعادة في الدنيا والآخرة. قال الله تعالى: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى {طه: 123-124}. وقال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {النحل: 97}.
وقال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا {الطلاق:2- 3}.
واعلم أن ما تمارسه البنوك التجارية من القرض رباً محض لا يماري في ذلك إلا جاهل أو معاند. أليست تقرض الشخص مبلغاً من المال ليسدده لها مع زيادة؟ أليس هذا من ربا النسيئة الذي حرمه الله -تعالى- وهو الذي كان أهل الجاهلة يفعلونه؟
لا أظن أن أحداً يماري في هذا!.
وما يدعيه البعض من أن البنك ليس شخصية معينة فهو مغالطة واضحة، أليست الأموال التي عنده ملكاً لأشخاص معينين تحرم ممارسة الربا معهم جماعة ووحداناً؟
وقولك إن الأرباح التي عند البنوك غير ثابتة، على افتراض صحته لا يغير من الأمر شيئاً؛ لأن البنك على كل حال سيتفق مسبقاً مع العميل على الفائدة التي سيأخذها منه على القرض، علماً بأن الكثير من البنوك يخصمها مباشرة من قيمة القرض الفعلية.
وقولك إن العالم كلهم يتعاملون مع هذه البنوك ليس دليلاً على حلِّية التعامل معها، بل إنه ربما يكون أقرب إلى الدلالة على تحريم ذلك، وقد قال الله تعالى: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ {الأنعام: 116}.
والبنوك الإسلامية إنما تتعامل مع البنوك التجارية فيما لا بد منه مما لا يتضمن ربا كالحوالة ونحوها.
فاتق الله -تعالى- واحرص على دينك وابتغاء مرضاة ربك، والله -تعالى- سيصلح لك أمر دينك ودنياك.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني