السؤال
ما حكم الشرع في التلفظ بكلمات مثل: (لا أحد يربيني غير والدي، أو أنت قليلة التربية، أو أبوك وأمك ما عرفا يربيانك، أو أهلك ما عرفوا يربونك).
هل هي محرمة، وتندرج تحت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه، قيل يا رسول الله: وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه؟ وكيفية الرد عليه؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما عبارة: (لا أحد يربيني غير والدي) فلم يَبْدُ لنا فيها محذور شرعي.
وأما بقية العبارات فهي من السب، وسب المسلم بغير حق محرم شرعا، قال النووي في شرح مسلم: سب المسلم بغير حق، حرام بإجماع الأمة، وفاعله فاسق، كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم. اهـ.
وقال الهيثمي في الزواجر عن اقتراف الكبائر: سب المسلم والاستطالة في عرضه، وتسبب الإنسان في لعن أو شتم والديه وإن لم يسبهما. قال - تعالى -: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا {الأحزاب:58}. وأخرج الشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجه. عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «سباب المسلم فسق وقتاله كفر» . ومسلم وأبو داود والترمذي: «المتسابان ما قالا فعلى البادئ منهما حتى يتعدى المظلوم». والبزار بسند جيد: «سباب المسلم كالمشرف على الهلكة». وابن حبان في صحيحه عن «ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قلت: يا رسول الله الرجل يشتمني وهو دوني أعلي منه بأس أن أنتصر منه؟ قال: المتسابان شيطانان يتهاتران ويتكاذبان». ولابن حبان: «وإن امرؤ عيَّرك بشيء يعلمه فيك، فلا تعيِّره بشيء تعلمه فيه، ودعه يكون وباله عليه، وأجره لك، فلا تسبن شيئا، قال فما سببت بعده دابة ولا إنسانا». وأخرج البخاري وغيره عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه، قيل يا رسول الله وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه». اهـ. باختصار.
وإذا أدى السب بتلك العبارات إلى سب والدي الساب فهو داخل في الوعيد الوارد في الحديث الذي ذكرته.
وأما كيفية الرد على الساب: فإن الشرع قد أذن في الانتصار برد المرء على سابه بقدر ما سبه، إذا لم يكن في رده عدوان على حق محض لله، أو عدوان على غير الساب -فلا يسوغ سب والدي الساب- ، لكن العفو عن الساب أفضل من الانتصار، إلا إن كان في الانتصار منه مصلحة راجحة.
قال ابن تيمية: والقصاص في الأعراض مشروع أيضا: وهو أن الرجل إذا لعن رجلا أو دعا عليه، فله أن يفعل به كذلك وكذلك إذا شتمه: بشتمة لا كذب فيها. والعفو أفضل. قال الله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}{الشورى:40}، {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} {الشورى:41}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: {المستبان: ما قالا فعلى البادئ منهما ما لم يعتد المظلوم}. ويسمى هذا الانتصار. والشتيمة التي لا كذب فيها مثل الإخبار عنه بما فيه من القبائح أو تسميته بالكلب أو الحمار ونحو ذلك. فأما إن افترى عليه لم يحل له أن يفتري عليه، ولو كفره أو فسقه بغير حق لم يحل له أن يكفره أو يفسقه بغير حق، ولو لعن أباه أو قبيلته أو أهل بلده ونحو ذلك لم يحل له أن يتعدى على أولئك؛ فإنهم لم يظلموه. اهـ. من مجموع الفتاوى.
والله أعلم.