السؤال
أنا متزوجة منذ ثلاث سنوات، وهناك خلاف حاد مع زوجي، وقد طلقني مرتين، ورجعت إليه، وكان يضربني ويشتمني، ويسب أهلي، ولا يسمح لي بتقديم ولو جزء من مالي الخاص لأهلي. وهذه المرة ضربني وأنا حامل، وأحضر أمه وشتمتني، علمًا أننا نسكن بعيدًا عن الأهل.
وأنا الآن حامل، ورجعت إلى أهلي؛ لأنه قام بطردي لفظًا، وأمّه شاهدة على ذلك، وأنا لم أتحمل، ولم أكن آكل وأشرب لمدة 3 أيام؛ لأنه كل يوم يقوم باستفزازي هو وأمّه.
أنا عند أهلي، ونفسيتي متعبة؛ مما استدعى المتابعة عند أخصائيين نفسيين، وقال لي الآن: "إن لم تأتي عندي، انتهت العشرة بيننا"، وأنا لا أستطيع أن أغامر من جديد؛ حتى يتفاهم مع أهلي بوجود شهود؛ لأني خائفة على نفسي، ومالي، وأولادي، وقال لي: "اخرجي كما تحبين وادخلي"، فهل في خروجي حرج؛ لأنني عاملة، وأريد تغيير الجو؛ لأنني انطويت على نفسي؟
مرضت كثيرًا؛ لأنني أحب زوجي كثيرًا، وضحيت لأجله كثيرًا، وكل عائلتي تعرف قصتي معه، فقد كنت أعشقه حد الجنون، لكن للأسف أهانني، وضربني، وأريد أن أزور جدتي، وأعمل، وأنا أخبره أني سأخرج، وعند دخولي أخبره، فهل هذا يعتبر مخالفًا لديني أم لا؟ فأنا أخاف أن تلعنني الملائكة إن خرجت.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن كانت هذه التصرفات صحيحة عن زوجك، فلا شك في أنه مسيء إساءة عظيمة، ومخالف للأدب الشرعي الآمر بحسن العشرة مع الأزواج، وراجع للمزيد الفتوى: 135176.
فليس من شأن المؤمن السب، والشتم عمومًا، فضلًا عن أن يكون ذلك منه تجاه زوجته، روى أحمد، والترمذي عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء.
وضرب الزوجة من غير مسوغ شرعي، نوع من الظلم، والاعتداء، والأسوأ إن تم حال ضعف الزوجة وحملها، وحاجتها للعناية، لا الإذلال، والإهانة. وانظري الفتوى: 69 هذا أولًا.
ثانيًا: قد أساء زوجك أيضًا بتعجله لأمر الطلاق، فلا ينبغي أن يكون الطلاق أول الحلول؛ إذ لم يجعله الشرع كذلك، سواء عند نشوز الزوجة أم عند نشوز الزوج، وتراجع الفتوى: 1103، والفتوى: 48969.
وقوله: "إن لم تأتي عندي، انتهت العشرة بيننا"، يعتبر من قبيل الطلاق المعلّق بلفظ الكناية، فإن كانت نيته بهذه الكناية الطلاق؛ وقع الطلاق في قول جمهور الفقهاء، وإن لم يكن قد نوى بذلك الطلاق، لم يترتب عليه شيء، وراجعي الفتوى: 17824، والفتوى: 78889.
ثالثًا: إن كنت تخشين ضرره، فمن حقك الامتناع عن العودة للبيت؛ حتى يوجد ما يؤمن معه الضرر، وننصح بالسعي في الإصلاح، وأن يتدخل العقلاء، فقد ندب الشرع إلى الإصلاح، وحث عليه، قال تعالى: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا {النساء:128}.
رابعًا: وإن كانت أمّ زوجك قد قامت بسبك عدوانًا، وظلمًا، فقد أساءت بذلك، وكان ينبغي لها أن تكون سببًا للإصلاح بينك وبين زوجك، لا أن تكون عاملًا مساعدًا على إشعال نار الفتنة، وتأكيد الشقاق. والشرع الحكيم قد أكد أمرَ حسن العشرة بين الأصهار، كما بينا في الفتوى: 65047.
خامسًا: إن أذن لك زوجك بطيب نفس منه، سواء للعمل، أم مجرد التنزه المباح، أم زيارة جدتك، ونحو ذلك، فلا حرج عليك في الخروج، ولا تأثمين بذلك.
سادسًا: والزوجة لها ذمتها المالية المستقلة، ولها حق التصرف في مالها في حدود المباح، فمن الجفاء، وسوء الخلق أن يمنعها زوجها من مساعدة أهلها من مالها، وهو تصرف منه خاطئ قطعًا، خاصة وأن أهل الزوجة قد يكونون في حاجة لهذه المساعدة، أو أنها تريد برهم بذلك، فكيف يحول بينها وبين الخير؟! وراجعي للمزيد الفتوى: 9116، والفتوى: 18978.
والله أعلم.