السؤال
ما حكم تشغيل الأطفال الصغار في المهن الشاقة كالبناء، والعمل في المناجم ونحو ذلك؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقضية تشغيل الأطفال من حيث الأصل، ينبغي تناولها من عدة جوانب، وبعد تقرير الجواز بشروطه، ينبغي أن توضع له الضوابط الشرعية التي تجنب الأطفال مخاطر وأضرار هذا التشغيل، ومن جملتها أن يكون مجال العمل وطبيعته مما يناسب الطفل ولا يضره.
وقد نشرت المجلة الأردنية للدراسات الإسلامية بحثا محكما عن (حكم عمالة الأطفال في الفقه الإسلامي) تناول هذا الموضوع بشكل موسع، ومما جاء فيه: تعد عمالة الأطفال أمراً واقعاً في المجتمعات القديمة والحديثة؛ لذا سنبحث مشروعية عمل الأطفال عند العلماء القدامى والمعاصرين؛ لتوضيح هذا الحكم قديماً وحديثاً.
اختلف العلماء القدامى في عمل الطفل في التجارة، وفي عمله كأجير على قولين:
القول الأول: يصح أن يعمل الطفل المميز في التجارة بيعاً وشراء، كما يصح عمله كأجير، إلا أن تصرفه هذا موقوف على إجازة وليه، وهو قول الحنفية والمالكية والحنابلة والظاهرية .. - وذكر أدلتهم -.
القول الثاني: لا ينعقد تصرف الصغير سواء أكان مميزاً أم غير مميز في البيع والإجارة، وهو قول الشافعية ..
- وذكر أدلته وناقشها، ورجح القول الأول، ثم قال: إلا أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي عاشها الأطفال في عصر العلماء السابقين، تختلف عن الظروف التي يعيشها الأطفال في هذا العصر، لذا فقد اختلف العلماء المعاصرون في حكمها على قولين:
القول الأول: جواز تشغيل الأطفال، وقد قال بهذا من العلماء المعاصرين عبد الفتاح إدريس، وحسن ملا عثمان، وصالح العلي، وأحمد حسن، وإسماعيل البدوي ... -وذكر أدلتهم-.
القول الثاني: حرمة تشغيل الأطفال، وقال بهذا القول من العلماء المعاصرين محمد المبارك، وعبد اللطيف بن سعيد الغامدي ... وبعد النظر في أدلة العلماء ومناقشتها، يترجح للباحثين جواز تشغيل الأطفال على سبيل الاستثناء لا الأصل؛ لأن الأصل هو تخصيص هذه المرحلة للتأديب والتعليم والحفظ لا العمل، ولأن بنية الطفل الجسمية والعقلية والنفسية غير مهيئة بعد للعمل، ألا ترى أن الشرع لم يكلف الصغير في هذه المرحلة، إلا أن الصغير إن قام بعمل مشروع، قُبل منه على سبيل الندب لا الوجوب. اهـ.
ثم ذكر ضوابط عمالة الأطفال، فكان تاسعها: الرحمة، وتكليف الأطفال بحسب قدراتهم العقلية والنفسية والبدنية. فيجب على أصحاب العمل عدم تكليف الأطفال ما لا يستطيعون، تنفيـذاً لأمر الله تعالى في قوله: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]. وجه الدلالة: دلت الآية على عدم تكليف الإنسان بما لا يستطيع في جميع الأمور، سواء أكان الإنسان كبيراً أم صغيراً، فقد دعا الرسول إلى الرحمة بالصغير، وعدم تكليفه بما لا يطيق، فأخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لا يرحم لا يرحم". وأخرج مسلم في صحيحه عن جرير بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لا يرحم الناس لا يرحمه الله" وأخرج الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لا يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا". وجه الدلالة: تدل الأحاديث السابقة على وجوب الرحمة بالصغار في جميع أحوالهم، والحكمة من ذلك هي مراعاة الضعف في الصغار، ولا سيما أن هذا الضعف مستحكم في جميع مكونات الطفل، العقلية والنفسية والبدنية، ويترتب على عدم تكليفهم بما لا يطيقونه حرمة تشغيل الأطفال في الأعمال الخطرة ... اهـ.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني