السؤال
أنا بنت ملتزمة، ومنتقبة -الحمد لله-، وكنت خارجة اليوم مع اثنتين من صاحباتي، غير ملتزمتين، أحيانًا تصليان، وأحيانا لا، ومعظم لبسهما بناطيل، وتسمعان الأغاني كثيرًا، وعندما أكون بصحبتهما -للأسف- أعمل مثلهما، وأسمع الأغاني، وأرفع صوتي في الشارع، وأجري، وأشعر بتأنيب الضمير، وخصوصًا أني غير قادرة على إقناعهما بأن ما يفعلانه خطأ، وعندما أكون معهما أحس أني ناسية صلاتي، فهل يجب عليَّ البعد عنهما؟ وكيف أبتعد عنهما من غير أن تغضبا مني، أو تكرهاني؟ وشكرًا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن من أهم سبل الاستقامة، والثبات على الالتزام، صحبة أهل الخير والصلاح، فإن كل صحبة ومودة لغير الله، تنقطع، قال تعالى: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ {الزخرف:67}.
ومن صاحب أهل الشر والفساد، ندم على صحبتهم، ولات ساعة مندم، قال تعالى: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا {الفرقان:27-28}.
وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على مصاحبة الأخيار، الذين تعين صحبتهم على طاعة الله، فإن الصاحب الصالح يذكرك إذا نسيت، وينبهك إذا غفلت، ويأخذ بيدك وناصيتك إلى ما فيه صلاحك.
وفي الصحيح عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ، وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً. وروى أبو داود عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: لا تصاحب إلا مؤمنًا، ولا يأكل طعامك إلا تقي.
ولقد أحسن من قال:
إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي.
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي.
ومن ثم؛ فنحن ننصحك بمناصحة هاتين الفتاتين، ودعوتهما إلى الله تعالى، وأن تبيني لهما خطأ ما هما عليه من التقصير في الصلاة، ولبس ما لا يجوز لبسه، وسماع ما لا يحل سماعه، وغير ذلك، فإن استجابتا، فالحمد لله، وإن لم تستجيبا، فإياك وإياهما، واحذري مصاحبتهما، واستبدلي بهما غيرَهما من الصالحات؛ فإن في ذلك الخير لك، وأعلميهما أنك إنما عدلت عن مصاحبتهما؛ لتقصيرهما في حق الله تعالى؛ لعل ذلك يكون رادعًا وزاجرًا لهما عن الإسراف على نفسيهما.
والله أعلم.