السؤال
لو آذتني إحداهنّ بالكلام عدة مرات، وقررتُ أن أبتعد عنها، وألا يكون بيننا غير السلام، فما الحكم لو خاصمتني؟ فكرامتي لن تسمح أن أذهب إليها لأصالحها، فهل عليَّ ذنب الخصام؟ وليس في نيتي أيُّ خصام، وإلى الآن أتعامل معها كالمعتاد، ولم أبتعد، وأتحمل الأذى؛ خوفًا من ذنب الخصام؛ لأن الخصام عندها أمر عادي.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد نهى الشرع عن التدابر، والهجران بين المسلمين فوق ثلاث، فعن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان، فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. متفق عليه.
فإن كانت هذه المرأة قد أساءت إليك، أو آذتك بغير حق؛ فلك هجرها ثلاثة أيام فقط.
أما هجرها فوق ذلك، فلا يجوز.
وتزول الهجرة عند جمهور العلماء بمجرد السلام، فإذا سلمت عليها، فقد قطعت الهجرة، وإذا هجرتك هي ولم تسلم عليك، فالإثم عليها.
لكن ننبهك إلى أنّ العفو عن المسيء من أفضل الأعمال، وهو سبيل لنيل عفو الله، ومغفرته، قال تعالى: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (النور:22)، كما أنّ العفو عن المسيء يرفع درجة العبد، ويزيده عزًّا، وكرامة، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ... وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزًّا.
لكن إذا كان في صلتك هذه المرأة، ومكالمتها مضرة عليك في دينك، أو دنياك، لا تزول إلا بهجرها؛ فلا حرج عليك في هجرها حينئذ، قال ابن عبد البر -رحمه الله-: وأجمع العلماء على أنه لا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث؛ إلا أن يكون يخاف من مكالمته وصلته ما يفسد عليه دينه، أو يولد به على نفسه مضرة في دينه، أو دنياه، فإن كان ذلك، فقد رخص له في مجانبته، وبُعده، ورب صرم جميل خير من مخالطة مؤذية. اهـ.
والله أعلم.