الحمد لله، والصلاة، والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما قمت به فعل شنيع، وإثم مبين، فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم، فقد حلّ لهم أن يفقؤوا عينه. وفي صحيح البخاري عن أنس -رضي الله عنه- أن رجلًا اطلع من جحر في بعض حجر النبي صلى الله عليه وسلم، فقام إليه بمشقص، أو مشاقص، وجعل يختله ليطعنه.
فإذا كان هذا في مجرد الاطلاع، مع أنه قد يرى عورة، وقد لا يراها، فكيف بمن فعل مثل ما فعلت؟!
وقد أحسنت بإزالة هذه الصورة، وندمك على ما فعلت، من جملة توبتك، فعليك أن تتوب إلى الله تعالى توبة نصوحًا، مستوفية الشروط، وراجعها في الفتوى: 5450.
ولا يلزمك إلا التوبة من هذا الذنب بالندم عليه، والعزم على عدم العودة إليه مرة أخرى، ولا يلزمك أن تخبر المرأة، ولا أن تستسمحها، فقد نص على مثل مسألتك، وما يندرج في سلكها من حقوق العباد المعنوية الإمام النووي، وبين ما المطلوب من فاعل هذه المعاصي حتى تتم توبته، فقال في روضة الطالبين: قال الأصحاب: التوبة تنقسم إلى توبة بين العبد وبين الله تعالى، وهي التي يسقط بها الإثم، وإلى توبة في الظاهر، وهي تتعلق بها عود الشهادة، والولايات:
أما الأولى، فهي: أن يندم على ما فعل، ويترك فعله في الحال، ويعزم أن لا يعود إليه.
ثم إن كانت المعصية لا يتعلق بها حق مالي لله تعالى، ولا للعباد؛ كقبلة الأجنبية، ومباشرتها فيما دون الفرج، فلا شيء عليه سوى ذلك.
وإن تعلق بها حق مالي، كمنع الزكاة، والغصب، والجنايات في أموال الناس، وجب مع ذلك تبرئة الذمة عنه، بأن يؤدي الزكاة، ويرد أموال الناس، إن بقيت، ويغرم بدلها، إن لم تبق، أو يستحل المستحق، فيبرئه...
وإن تعلق بالمعصية حق ليس بمالي، فإن كان حدًّا لله تعالى بأن زنى، أو شرب، فإن لم يظهر عليه، فله أن يظهره، ويقرّ به ليقام عليه الحد، ويجوز أن يستر على نفسه، وهو الأفضل ...
وإن كان حقًّا للعباد، كالقصاص، وحد القذف، فيأتي المستحق، ويمكنه من الاستيفاء.
فإن لم يعلم المستحق، وجب في القصاص أن يعلمه، فيقول: أنا الذي قتلت أباك، ولزمني القصاص، فإن شئت، فاقتص، وإن شئت، فاعف. وفي حد القذف سبق في كتب اللعان خلاف في وجوب إعلامه، وقطع العبادي، وغيره هنا بأنه يجب إعلامه، كالقصاص.
وأما الغيبة إذا لم تبلغ المغتاب، فرأيت في فتاوى الحناطي أنه يكفيه الندم، والاستغفار، وإن بلغته، أو طرد طارد قياس القصاص والقذف فيها، فالطريق أن يأتي المغتاب، ويستحل منه.
فإن تعذر لموته، أو تعسر لغيبته البعيدة، استغفر الله تعالى، ولا اعتبار بتحليل الورثة، هكذا ذكره الحناطي، وغيره. انتهى.
وقال الصاوي في حاشيته على الجلالين: - واعلم - أن هذه الأمور المتقدم ذكرها كبائر تحتاج لتوبة، وهل تفتقر لاستحلال المغتاب ونحوه أو لا؟ فقال جماعة: ليس عليه الاستحلال، بل يكفيه التوبة بينه وبين الله، لأن المظلمة ما تكون في النفس والمال، ولم يأخذ من ماله ولا أصاب من بدنه ما ينقصه، وقال جماعة: يجب عليه أن يستغفر لصاحبها، لما ورد عن الحسن: كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته، وقال جماعة: عليه الاستحلال منها ولو إجمالاً. انتهى
وعلى المسلم أن يستشعر رقابة الله عز وجل، وأنه مطلّع منه على كل صغيرة وكبيرة، وأنه يعلم السر وأخفى، وأن هنالك ملائكة موكلين بأعماله، قال تعالى: أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ {الزخرف:80}.
والله أعلم.