السؤال
أمّي تكفر بالله منذ زمن طويل، فمنذ أن كنت صغيرة وأنا أسمعها تكفر، وهذا الأمر يضايقني، ويزعجني كثيرًا، ولا أنكر مدى تفانيها لأجلي وإخوتي، فقد تعبت علينا كثيرًا في تربيتنا وتعليمنا، لكنها تكفر، وقلبي أصبح كالحجر بسببها، ولم أعد أطيقها، ولا أستطيع النظر إليها، ولم أعد أدعو لها في صلاتي، ولم أتحدث معها منذ عدة أيام.
وكلما أردت أن ألين قلبي عليها، أتذكر كفرها، فتمنعني نفسي، وأزداد إصرارًا على أن لا أتحدث إليها، وأنا أعرف مكانة الأمّ في الإسلام، ولكن لماذا عليَّ برها مع كفرها؟ ولماذا عليَّ أن أتحدث معها؟ أرجو المساعدة.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنشكرك على غيرتك على الدِّين، فجزاك الله خيرًا.
ولم تذكري لنا حقيقة هذا الشيء الذي وصفته بكونه كفرًا، والذي يصدر عن أمّك؛ لننظر فيما إذا كان من دواعي الوقوع في الكفر أم لا، فقد يظن بعض الناس أن قولًا ما أو فعلًا ما مكفر، ولا يكون الأمر كذلك، ثم إن الكفر منه الأصغر الذي لا يخرج عن ملة الإسلام؛ كالرياء، والحلف بغير الله، ومنه ما هو مخرج عن ملة الإسلام؛ كالسجود لغير الله، وسبّ الرب تبارك وتعالى.
هذا بالإضافة إلى أنه لا يلزم تكفير كل من وقع في الكفر؛ لأن التكفير له ضوابطه الشرعية باستيفاء شروطه، وانتفاء موانعه، كمانع الجهل، والإكراه، والتأويل، ونحو ذلك، وقد فصلنا الكلام في هذه المسألة تفصيلًا بينًا في بعض فتاوانا، فراجعي الفتاوى التالية: 721، 65312، 53835.
وعلى فرض الحكم على أمّك بالكفر؛ فهذا لا يسقط عنك برها، والإحسان إليها؛ لأن هذا ما جاءت به النصوص الشرعية في القرآن، والسنة النبوية، فالوالدان ليسا كغيرهما، فهما أصل الإنسان، وسبب وجوده بإذن الله تعالى، هذا بالإضافة إلى سهرهما، وتعبهما، واجتهادهما في تربية ورعاية الأولاد، وراجعي الفتوى: 75043.
ومنها تعلمين أنه يجب عليك الإحسان لأمّك، وبرها بما تستطيعين، ويحرم عليك عقوقها بأي قول، أو فعل يؤذيها، ولا مؤاخذة عليك في البغض القلبي لها؛ لأن هذا لا تحكم للإنسان فيه.
وإن من أفضل البر بالأمّ، والإحسان إليها: السعي في سبيل هدايتها بالدعاء لها، وبذل النصح لها بالحسنى، أو البحث عن بعض الفضلاء الذين يرجى أن تقبل قولهم ليناصحوها، فإن وفقت لهدايتها، فزت فوزًا عظيمًا؛ لأن هذا باب عظيم لتحصيل الأجر والثواب.
روى البخاري، ومسلم عن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث عليًّا -رضي الله عنه- إلى خيبر قال له: ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فوالله، لأن يهدى الله بك رجلًا واحدًا، خير لك من أن يكون لك حمر النعم. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا. وفي سنن الترمذي عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الدال على الخير كفاعله.
فدعي عنك هذا التفكير تجاه أمّك الذي لا يقودك إلى خير، واعملي على إدخال السرور في قلبها، وإيصال ما يمكن من الخير إليها، فالبر نفسه يمكن أن يكون سببًا للهداية.
والله أعلم.