السؤال
عندي اكتئاب شديد الآن؛ بسبب اكتشافي حكمًا يخصّ المسح على الجوارب كنت أجهله، مع أني أقرأ كثيرًا عن الأحكام، وأقرأ كثيرًا على هذا الموقع أيضًا.
كنت أهتم بشروط المسح على الجورب، وأحاول أن أنفذها، لكني لا أعلم كيف كنت أجهل كيفية المسح، فقد كنت أظن أني أفعلها بطريقة صحيحة، فأنا طول السنين الفائتة كنت أمسح على جزء من الجورب فقط، من أول الأصابع حتى جزء يسير ليس بالكبير، وعرفت أن علينا أن نمسح من أعلى الجورب من أول الأصابع إلى الساق، ولا أدري ماذا أفعل الآن؟ ولا أستطيع إعادة الصلوات، فأنا حزينة لأني كنت أجتهد في صلاتي دائمًا، إلى أن أصبت بوساوس، وأخاف دائمًا من أن أفعل أي خطأ، ولكني دائمًا ما أخطئ؛ حتى لو حرصت على التعلم.
أخشى أن آخذ بالرأي الذي يقول بعدم إعادة الصلوات، وفي نفس الوقت من الصعب عليّ أن أعيد مع هذه الوساوس، فأنا لا أتوضأ أصلًا بسهولة، لكني كنت أمسح على جزء يسير من أعلى الجورب، وكنت أظن أن هذا الأمر صحيح، فماذا عليّ أن أفعل؟ وما حكم من أخطأ في كيفية فعل شيء مهم مثل ذلك رغم حرصه على التعلم دائمًا؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد بينا في الفتوى: 4675، كيفية المسح على الجوربين لمن يريد أن يأتي بها على الوجه الأكمل.
وأما فيما يخص المقدار المفروض من المسح:
فقد اختلف أهل العلم في تحديد القدر المجزئ من المسح: فمذهب الحنفية أن المفروض من المسح هو مقدار ثلاثة أصابع.
ومذهب الشافعي أن المفروض هو أقل ما يقع عليه اسم المسح؛ لأن النص النبوي أطلق لفظ المسح، ولم ينقل فيه تقدير، فوجب الرجوع إلى ما يتناوله الاسم.
ومذهب الحنابلة أن المجزئ في المسح أن يمسح أكثر مقدم ظاهر الجورب أو الخف، جاء في بدائع الصنائع للكاساني الحنفي: وأما مقدار المسح، فالمقدار المفروض هو مقدار ثلاثة أصابع طولًا وعرضًا، ممدودًا، أو موضوعا. وعند الشافعي: المفروض هو أدنى ما ينطلق عليه اسم المسح، كما قال في مسح الرأس. انتهى.
وقال ابن قدامة الحنبلي في المغني: والمجزئ في المسح أن يمسح أكثر مقدم ظاهره خطوطًا بالأصابع. وقال الشافعي: يجزئه أقل ما يقع عليه اسم المسح؛ لأنه أطلق لفظ المسح، ولم ينقل فيه تقدير؛ فوجب الرجوع إلى ما يتناوله الاسم. وقال أبو حنيفة: يجزئه قدر ثلاثة أصابع. انتهى.
وعلى هذا؛ فصلواتك التي صليتها بمسح جزء يسير من أعلى الجورب صحيحة، ولا تلزمك إعادتها على مذهب الإمام الشافعي، وكذلك على مذهب أبي حنيفة، إن كان الذي مسحت مقدار ثلاثة أصابع فأكثر.
واعلمي أن الحرص على التعلم لا يمنع من الخطأ؛ إذ الخطأ وارد على كل البشر، ولا أحد بعد الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- معصوم منه، لكن الله تعالى نفى عنا الإثم فيما أخطأنا به، فقال صلى الله عليه وسلم: إنَّ الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه. رواه ابن ماجه، وأحمد، وابن حبان.
وشرع لنا في كل عبادة من العبادات ما يترتب على الخطأ فيها، وما يجبر به ذلك الخطأ.
واحذري -أيتها الأخت- من الوساوس التي تعرض لك في طهارتك، وفي عباداتك؛ فإن الوسواس داء عضال، ولا شيء أنفع له -بعد الاستعانة بالله، والضراعة إليه- من عدم الالتفات إليه، والإعراض عنه.
وقد بينا في فتاوى عديدة خطورة هذه الوساوس، وما يلزم من ابتلي بشيء منها، انظري الفتاوى: 51601، 134196، 147101.
والله أعلم.