السؤال
لي أخ مغترب، لا يكلمني من خمس سنوات، وهو لم يَزُرْ بلدنا وأهلي من وقتها، ولكنه يكلم أمي بين الحين والآخر. عاتبته في أمر يخص عائلتنا، وانقطعت العلاقة بيننا، لم يحاول أحد أن يصلح بيننا. حتى أنه لا يعرف أبنائي، ولا يكلمني. عندما أتاه ولد أرسلت له هدية، ولم يأتني رد، ولا شكر. وأنا قلبي مكسور، ومفطور، ولا أريد أن أبادر مرة أخرى، وهو أكبر مني بـ 14 سنة. أمي والجميع يعلمون بالموضوع، ولا يتدخلون. هل أعتبر قاطعة للرحم؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فصلة الرحم واجبة، وقطعها حرام، فالواجب عليك صلة أخيك ولو بالحد الأدنى الذي تزول به القطيعة؛ كالسلام عن طريق الهاتف، أو الرسائل، أو نحوها، فإنّ الصلة درجات متفاوتة، وتختلف باختلاف العرف والأحوال.
قال العيني في عمدة القاري شرح صحيح البخاري: قال القاضي عياض –رحمه الله- وللصلة درجات بعضها أرفع من بعض، وأدناها ترك المهاجرة، وصلتها بالكلام ولو بالسلام، ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة. فمنها واجب، ومنها مستحب، ولو وصل بعض الصلة ولم يصل غايتها لا يسمى قاطعا، ولو قصر عما يقدر عليه، وينبغي له أن يفعله لا يسمى واصلا. انتهى.
فإذا فعلت ما تقدرين عليه من الصلة، ولم يصلك أخوك، وبقي قاطعاً لك، فلست قاطعة للرحم حينئذ، وانظري الفتوى: 379528.
وعلى من يعلم بهذه القطيعة من الأقارب السعي في الصلح بينك وبين أخيك، وعلى أية حال، فينبغي لك السعي في صلة أخيك، والإحسان إليه بما تقدرين عليه وإن قطعك، فعَنْ عبد الله بن عمرو عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا. صحيح البخاري.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ. صحيح مسلم. تسفهم المل: تطعمهم الرماد الحار.
والله أعلم.