السؤال
ما حكم ترجيع الإمام في الصلاة؟ وهل هو من تحسين الصوت بالصلاة؟ وهل بذلك يكرّر ألفات أو ياءات في آخر المد؟ وإذا كان الإمام يقرأ بهدوء، ثم يرفع صوته في وسط القراءة، فهل في ذلك بأس؟
ما حكم ترجيع الإمام في الصلاة؟ وهل هو من تحسين الصوت بالصلاة؟ وهل بذلك يكرّر ألفات أو ياءات في آخر المد؟ وإذا كان الإمام يقرأ بهدوء، ثم يرفع صوته في وسط القراءة، فهل في ذلك بأس؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الترجيع في القراءة، يعدّ من تحسين الصوت, ولو ترتب عليه تكرير ألفات مثلًا، ما لم يصل إلى مرتبة التمطيط، فقد جاء في الصحيحينِ، واللفظ للبخاري: عن معاوية بن قرة، عن عبد الله بن مغفل المزني، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح على ناقة له، يقرأ سورة الفتح - أو من سورة الفتح - قال: فرجَّع فيها، قال: ثم قرأ معاوية: يحكي قراءة ابن مغفل، وقال: لولا أن يجتمع الناس عليكم، لرجَّعت كما رجّع ابن مغفل، يحكي النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت لمعاوية: كيف كان ترجيعه؟ قال: آآآ ثلاث مرات. اهـ.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: قوله: فرجَّع فيها بتشديد الجيم أي: ردَّد الصوت في الحلق، والجهر بالقول مكررًا بعد خفائه. قوله: كيف كان ترجيعه؟ قال: آآآ ثلاث مرات. قال ابن بطال: في هذا الحديث إجازة القراءة بالترجيع، والألحان الملذذة للقلوب بحسن الصوت، وقول معاوية: لولا أن يجتمع الناس يشير إلى أن القراءة بالترجيع تجمع نفوس الناس إلى الإصغاء، وتستميلها بذلك. اهـ باختصار.
وقال ابن القيم في زاد المعاد: وكان صلى الله عليه وسلم يتغنَّى به، ويرجع صوته به أحيانًا، كما رجَّع يوم الفتح في قراءته: {إنا فتحنا لك فتحا مبينا} [الفتح:1]. وحكى عبد الله بن مغفل ترجيعه: آآآ ثلاث مرات. ذكره البخاري. وإذا جمعت هذه الأحاديث إلى قوله: «زينوا القرآن بأصواتكم»، وقوله: «ليس منا من لم يتغن بالقرآن»، وقوله: «ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن»؛ علمت أن هذا الترجيع منه -صلى الله عليه وسلم- كان اختيارًا، لا اضطرارًا لهزّ الناقة له؛ فإن هذا لو كان لأجل هزّ الناقة؛ لما كان داخلًا تحت الاختيار، فلم يكن عبد الله بن مغفل يحكيه، ويفعله اختيارًا ليؤتسى به، وهو يرى هزّ الراحلة له حتى ينقطع صوته، ثم يقول: كان يرجع في قراءته، فنسب الترجيع إلى فعله، ولو كان من هزّ الراحلة، لم يكن منه فعل يسمى ترجيعًا. اهـ.
وقال ابن قدامة في المغني: فأما القراءة بالتلحين، فينظر فيه؛ فإن لم يفرّط في التمطيط، والمدّ، وإشباع الحركات، فلا بأس به؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد قرأ، ورجّع، ورفع صوته. إلى أن قال: فأما إن أفرط في المد، والتمطيط، وإشباع الحركات، بحيث يجعل الضمة واوًا، والفتحة ألفًا، والكسرة ياء، كُره ذلك. ومن أصحابنا من يُحرّمه؛ لأنه يغيِّر القرآن، ويخرج الكلمات عن وضعها، ويجعل الحركات حروفًا. اهـ
وبخصوص تغيير نبرة صوت الإمام بحيث يرفع صوته بالقراءة أحيانًا, ويخفضه, فهذا لا حرج فيه, لكن لا ينبغي الغلو في ذلك، جاء في مجموع الفتاوى للشيخ ابن عثيمين: سئل فضيلة الشيخ: بعض أئمة المساجد يحاول ترقيق قلوب الناس، والتأثير فيهم بتغيير نبرة صوته أحيانًا أثناء صلاة التراويح، وقد سمعت بعض الناس ينكر ذلك، فما قولكم -حفظكم الله- في هذا؟
فأجاب فضيلته بقوله: الذي أرى أنه إذا كان هذا العمل في الحدود الشرعية، بدون غلو، فإنه لا بأس به، ولا حرج فيه؛ ولهذا قال أبو موسى الأشعري للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لو كنت أعلم أنك تستمع إلى قراءتي، لحبرته لك تحبيرًا"، أي: حسنتها، وزينتها، فإذا حسن بعض الناس صوته، أو أتى به على صفة ترقّق القلوب، فلا أرى في ذلك بأسًا، لكن الغلو في هذا بكونه لا يتعدى كلمة في القرآن إلا فعل مثل هذا الفعل الذي ذكر في السؤال، أرى أن هذا من باب الغلو، ولا ينبغي فعله. والعلم عند الله. اهـ.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني