السؤال
بخصوص معاهدة الله، فأنا قبل ثلاث سنوات عاهدت الله على أن أذكره دائماً ما استطعت، فحصلت فترة لم أذكر الله فيها كثيراً، ظننت أنه لا يجب علي الوفاء بالعهد.
بعدها بفترة عاهدته ألا أسرح في الصلاة، فجاءت فترة كنت أسرح فيها، ظاناً أنه لا يجب علي الوفاء بالعهد، لذلك عندي أربعة أسئلة أرجو أن تهتموا بكل واحد منها، أسكنكم الله الفردوس:
السؤال الأول: أعلم أنه تجب الكفارة. لكن هل تنحل المعاهدة بذلك؟
السؤال الثاني: هل يفهم من قولي: أعاهد الله أن أكون له ذاكراً دائماً، هل يفهم من ذلك التكرار؟
السؤال الثالث: لو قلت: أعاهد الله أن أكون له ذاكراً كل يوم، هل في ذلك تكرار؟
السؤال الرابع: شعرت أنني نويت بعهدي لله التكرار أي أنني متيقن، ثم بعدها بساعات قلت في نفسي: الظاهر أنه ليس عليك شيء، أي لم تنو به التكرار، فبالتالي لا شيء عليك إن انحلت المعاهدة بالنقض.
فما رأيكم؟
أرجو أن تهتموا بهذا بالذات.
وشكراً جزيلاً لكم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المعاهدة تنحل بالحنث فيها، ولا تتكرر الكفارة، إلا إذا نوى الشخص التكرار، أو كان لفظ الصيغة يقتضي التكرار.
جاء في الشرح الكبير للدردير: (وتكررت) الكفارة (إن قصد) بيمينه (تكرر الحنث) كقوله: والله لا كلمت زيدا، ونوى أنه كلما كلمه لزمه الحنث، فتكرر بتكرر المحلوف عليه.
(أو) دل لفظه على التكرار بالوضع كأن علق (ب) قوله (كلما أو مهما) فعلت كذا فعلي يمين أو كفارة، فعليه بكل فعلة كفارة (لا) إن علق بقوله (متى ما) فلا تتكرر الكفارة بل ينحل اليمين بالفعل الأول .اهـ. باختصار.
فقولك: (أعاهد الله أن أكون له ذاكراً دائماً) و( أعاهد الله أن أكون له ذاكراً كل يوم) فإن كلا الصيغتين لا تقتضي التكرار بلفظها، إذا ليس فيها كلما أو مهما فعلت كذا، فعلي يمين، أو كفارة أو نحو ذلك. وراجع الفتويين: 113083- 140093.
وأما قولك: ( شعرت أني نويت بعهدي لله التكرار أي أنني متيقن، ثم بعدها بساعات قلت في نفسي: الظاهر أنه ليس عليك شيء، أي لم تنو به التكرار ).
فإن كنت متيقنا من نية التكرار فإن المعاهدة تتكرر، وأما إذا شككت في نية التكرار فإن المشكوك فيه كالمعدوم، وتبقى على الأصل وهو عدم نية التكرار.
قال العز بن عبد السلام: ومنها -أي مظان تحقق أسباب الأحكام-: استصحاب الأصول، كمن لزمه طهارة أو صلاة، أو زكاة أو حج أو عمرة، أو دين لآدمي، ثم شك في أداء ركن من أركانه، أو شرط من شرائطه، فإنه يلزمه القيام به؛ لأن الأصل بقاؤه في عهدته.
ولو شك هل لزمه شيء من ذلك، أو لزمه دين في ذمته، أو عين في ذمته، أو شك في عتق أمته أو طلاق زوجته، أو شك في نذر أو شيء مما ذكرناه، فلا يلزمه شيء من ذلك؛ لأن الأصل براءة ذمته، فإن الله خلق عباده كلهم أبرياء الذمم والأجساد من حقوقه وحقوق العباد إلى أن تتحقق أسباب وجوبها. اهـ. من قواعد الإحكام.
وقال القرافي: قاعدة وهي: أن كل مشكوك فيه ملغى في الشريعة. فإذا شككنا في السبب، لم نرتب عليه حكما، أو في الشرط لم نرتب الحكم أيضا، أو في المانع رتبنا الحكم.
فالأول: كما إذا شك هل طلق أم لا؟ بقيت العصمة؛ فإن الطلاق هو سبب زوال العصمة، وقد شككنا فيه، فتستصحب الحال المتقدمة. وإذا شككنا هل زالت الشمس أم لا؟ لا تجب الظهر. ونظائره كثيرة.
وأما الشرط: فكما إذا شككنا في الطهارة، فإنا لا نقدم على الصلاة. وأما المانع، فكما إذا شككنا في أن زيدا قبل وفاته ارتد أم لا؟ فإنا نورث منه استصحابا للأصل؛ لأن الكفر مانع من الإرث، وقد شككنا فيه فنورث.
فهذه قاعدة مجمع عليها، وهي أن كل مشكوك فيه يجعل كالمعدوم الذي يجزم بعدمه. اهـ. من الفروق.
وانظر الفتوى: 219667، وراجع للفائدة، الفتوى: 135742.
والله أعلم.