السؤال
أنا رجل لي زوجتان، أجلس عند كل واحدة أسبوعا. هل لو صدر من زوجة منهما أمر تجاه الزوجة الأخرى، وقد كان فية إهانة لها بشهادة الأهل. هل يحق لي أن أؤدب هذه الزوجة بالامتناع عن الذهاب عندها في أسبوعها القادم، وإخبارها بأن هذا بسبب سوء تصرفك. من باب رد الحق لزوجتي الثانية، ورفع الظلم الذي وقع عليها، وتسبب في مرضها. وهل يوجد موقف مشابه لرسول الله لذلك؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس لك أن تمنع زوجتك حقّها في القسم بسبب إساءتها لزوجتك الأخرى، لأنّ إساءتها إلى الزوجة ليس من النشوز الذي يسقط به حقّ الزوجة في القسم، بل ذكر بعض أهل العلم أنّه ليس للزوج تأديب الزوجة على مثل هذه الأمور بنفسه، قال الخطيب الشربيني في مغني المحتاج : والنشوز هو الخروج من المنزل بغير إذن الزوج لا إلى القاضي لطلب الحق منه، ولا إلى اكتسابها النفقة إذا أعسر بها الزوج ولا إلى استفتاء إذا لم يكن زوجها فقيها ولم يستفت لها، وكمنعها الزوج من الاستمتاع ولو غير الجماع لا منعها له منه تدللا، ولا الشتم له ولا الإيذاء له باللسان أو غيره؛ بل تأثم به وتستحق التأديب عليه ويتولى تأديبها بنفسه على ذلك، ولا يرفعها إلى قاض ليؤدبها؛ لأن فيه مشقة وعارا وتنكيدا للاستمتاع فيما بعد وتوحيشا للقلوب، بخلاف ما لو شتمت أجنبيا. انتهى.
وذهب بعض أهل العلم إلى جواز تأديب الزوج زوجته بنفسه في مثل هذه الحال، قال ابن نجيم -رحمه الله- في بيان الأمور التي تبيح للزوج تأديب زوجته بالضرب : .. ومنه ما إذا شتمته، أو مزقت ثيابه، أو أخذت لحيته، أو قالت له يا حمار يا أبله أو لعنته ... ومنه ما إذا شتمت أجنبيا....انتهى. البحر الرائق شرح كنز الدقائق باختصار.
والراجح عندنا أنّ تأديب الزوجة بالضرب لا يكون إلا بعد استعمال الوعظ ثم الهجر في المضجع وعدم إفادتهما، جاء في الشرح الكبير للشيخ الدردير: والوعظ التذكير بما يلين القلب لقبول الطاعة واجتناب المنكر، ثم إذا لم يفد الوعظ هجرها أي تجنبها في المضجع فلا ينام معها في فرش لعلها أن ترجع عما هي عليه من المخالفة، ثم إذا لم يفد الهجر ضربها أي جاز له ضربها ضربا غير مبرح وهو الذي لا يكسر عظما ولا يشين جارحة، ولا يجوز الضرب المبرح ولو علم أنها لا تترك النشوز إلا به، فإن وقع فلها التطليق عليه والقصاص، ولا ينتقل لحالة حتى يظن أن التي قبلها لا تفيد. انتهى.
ولا نعلم موقفاً مشابهاً لما ذكرت حصل مع النبي -صلى الله عليه وسلم-
لكن الغيرة بين الضرائر لا يسلم منها بيت حتى بيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد كان يتعامل مع مثل هذه الأمور بحكمة ورفق وتقدير لحال الضرة من الغيرة التي جبلت عليها، ففي صحيح البخاري عن أنس -رضي الله عنه- قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام، فضربت التي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها يد الخادم، فسقطت الصحفة فانفلقت، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم فلق الصحفة، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة، ويقول: «غارت أمكم» ثم حبس الخادم حتى أتي بصحفة من عند التي هو في بيتها، فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كسرت صحفتها، وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت.
قال ابن حجر-رحمه الله- في فتح الباري: وقوله: غارت أمكم اعتذار منه صلى الله عليه وسلم لئلا يحمل صنيعها على ما يذم بل يجري على عادة الضرائر من الغيرة، فإنها مركبة في النفس بحيث لا يقدر على دفعها، وسيأتي مزيد لما يتعلق بالغيرة في كتاب النكاح حيث ذكره المصنف إن شاء الله تعالى، وفي الحديث: حسن خلقه صلى الله عليه وسلم وإنصافه وحلمه. انتهى.
وقال أيضاً: وقالوا: فيه إشارة إلى عدم مؤاخذة الغيراء بما يصدر منها؛ لأنها في تلك الحالة يكون عقلها محجوبا بشدة الغضب الذي أثارته الغيرة، وقد أخرج أبو يعلى بسند لا بأس به عن عائشة مرفوعا: أن الغيراء لا تبصر أسفل الوادي من أعلاه. انتهى.
فالذي ننصحك به أن تكون حكيماً ورفيقاً بزوجتيك، وساعياً للإصلاح بينهما بحكمتك وحسن صنيعك معهما.
والله أعلم.