الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن كانت طريقة الاستثمار في هذه الشركة قائمة على تحديد ربح معين مضمون لصاحب رأس المال، وضمان رأس المال له، فهي طريقة محرمة غير جائزة شرعًا بإجماع العلماء.
فالربح في الشرع يجب أن يكون محددًا بنسبة من الربح -إن حصل ربح-، ولا يصح تحديده بمبلغ مقطوع، أو نسبة من رأس المال، جاء في المغني لابن قدامة: وجملته: أنه متى جعل نصيب أحد الشركاء دراهم معلومة، أو جعل مع نصيبه دراهم، مثل أن يشترط لنفسه جزءًا وعشرة دراهم، بطلت الشركة. قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إبطال القراض إذا شرط أحدهما أو كلاهما لنفسه دراهم معلومة. وممن حفظنا ذلك عنه: مالك، والأوزاعي، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي. اهـ.
وكذلك فإن الخسارة في الشركات تكون على رأس المال، ولا يجوز اشتراط ضمان رأس المال في المضاربة، جاء في المغني لابن قدامة: مسألة؛ قال: (وإذا اتفق رب المال والمضارب على أن الربح بينهما، والوضيعة عليهما، كان الربح بينهما، والوضيعة على المال). وجملته: أنه متى شرط على المضارب ضمان المال، أو سهمًا من الوضيعة، فالشرط باطل. لا نعلم فيه خلافًا، والعقد صحيح. نص عليه أحمد. وهو قول أبي حنيفة، ومالك. وروي عن أحمد أن العقد يفسد به. وحكي ذلك عن الشافعي؛ لأنه شرط فاسد، فأفسد المضاربة، كما لو شرط لأحدهما فضل دراهم. والمذهب الأول. ولنا، أنه شرط لا يؤثر في جهالة الربح، فلم يفسد به، كما لو شرط لزوم المضاربة. ويفارق شرط الدراهم؛ لأنه إذا فسد الشرط، ثبتت حصة كل واحد منهما في الربح مجهولة. اهـ.
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: اتفق الفقهاء على أن الخسارة في الشركات عامة تكون على الشركاء جميعًا، بحسب رأس مال كل فيها، ولا يجوز اشتراط غير ذلك، قال ابن عابدين: ولا خلاف أن اشتراط الوضيعة بخلاف قدر رأس المال باطل. اهـ.
فحقيقة مثل هذه المعاملة أنها قرض من صاحب رأس المال للشركة، مع فائدة زائدة للمقرض صاحب رأس المال -وهي المبالغ المحددة التي تعطى كل شهر-، وهذا هو الربا.
وإذا كان عمل الشركة قائمًا على ذلك: فلا يجوز لك العمل -إلا إن كانت هناك ضرورة بحيث لا تجد نفقاتك الضرورية من مصدر آخر مباح-؛ لما في العمل بها من الإعانة على المحرم، ومن القواعد المقررة في الشرع: أن الإعانة على معصية الله محرمة؛ لقوله تعالى: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة:2}، قال ابن تيمية: إذا أعان الرجل على معصية الله، كان آثمًا؛ لأنه أعان على الإثم والعدوان؛ ولهذا لعن النبي صلى الله عليه وسلم الخمر، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومشتريها، وساقيها، وشاربها، وآكل ثمنها، وأكثر هؤلاء -كالعاصر، والحامل، والساقي-، إنما هم يعاونون على شربها؛ ولهذا ينهى عن بيع السلاح لمن يقاتل به قتالًا محرمًا: كقتال المسلمين، والقتال في الفتنة. اهـ. من مجموع الفتاوى.
وقد سئل الدكتور يوسف الشبيلي: عن العمل في شركة نشاطها مختلط، تنتج أجهزة وبرامج قد يستفاد منها فيما لا يجوز
فأجاب: حكم العمل في هذه الشركة، لا يختلف عن حكم العمل في سائر الشركات التي قد يكون جزء من المستفيدين من خدماتها جهات معصية، فشركة الكهرباء، والاتصالات، ونحوها، يرد على العمل فيها نظير المحاذير التي أوردتها في سؤالك، والذي أراه أنه يجوز العمل في هذه الشركات بالضوابط الآتية:
* إذا كان أصل نشاط الشركة محرمًا -كالبنوك الربوية، وشركات التأمين التجاري، ونحو ذلك-، فهذه يحرم العمل فيها مطلقًا، ولو كان الشخص في وظيفة لا علاقة لها بالعمل المحرم نفسه؛ لأن عمله في الشركة فيه إعانة على المعصية.
* أما إذا كان المقصود من نشاط الشركة مباحًا، لكنها قد تزاول بعض الأنشطة المحرمة، ككثير من الشركات التجارية، والصناعية، والمطاعم، ونحوها، فهذه يجوز العمل فيها من حيث الأصل، ولو كان بعض نشاطها محرمًا بالضوابط الآتية:
1 - ألا يكون المنتج الذي تقدمه الشركة مخصصًا لأمر محرم، أو يغلب استعماله فيه ...
2 - ألا يباشر الموظفُ العملَ المحرمَ بنفسه. اهـ. باختصار. وراجع الفتوى: 165691، وراجع للفائدة الفتويين: 330331، 316162.
والله أعلم.