الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اشتمل سؤالك على عدة أمور, وسيكون الجواب في النقاط التالية:
1ـ لقد أرسلتَ أكثر من سؤال حول التلفيق بين المذاهب, وتقليد مذهب معين في مسألة, وتقليد غيره في أخرى.
ولا داعي لهذا كله, فإنه يوقعك في الحرج, والمشقة بل ننصحك بتقليد المذهب السائد في بلدك (المذهب المالكي) فهذا يكفيك، ولا حرج عليك.
2ـ التلفيق بين أكثر من مذهب، يمنع في المسألة الواحدة، كما تقدم في الفتوى: 352549
وعلى هذا؛ فليس من التلفيق الممنوع الأخذ بسنية تكبيرات الانتقال, والتسبيح, والتحميد، وعدم سجود السهو لتركها, وتقليد الشافعي في مسألة كيفية إتمام صلاة المسبوق.
3ـ الأمر واسع في محل سجود السهو, فمن أتى به قبل السلام, أو بعده, فصلاته صحيحة.
قال المرداوي الحنبلي في الإنصاف: قال القاضي: لا خلاف في جواز الأمرينِ, وإنما الكلام في الأولى والأفضل، وذكره بعض المالكية والشافعية إجماعا. اهـ.
لكن للمالكية تفصيل في هذه المسألة.
قال الخرشي على مختصر خليل المالكي: وصح سجود السهو إن قدم بعديُّه ولو عمدا، رعيا لمذهب الشافعي، ولا يجوز ابتداء. أو أخر قبليه رعيا لمذهب أبي حنيفة، ويكره ابتداء. وبعبارة أخرى: قوله: وصح إن قدم إلخ أي: عمدا؛ لأن فعل الساهي لا يتصف بصحة ولا فساد؛ لأنه غير مكلف. اهـ.
4ـ عدم السجود لترك التكبير والتسبيح ليس مذهب الجمهور، بل هو مذهب الشافعية والحنفية.
ففي غاية البيان شرح زبد ابن رسلان, وهو شافعي: لا يسن السجود لترك سنة من سنن الصلاة (غير أبعاضها) عمدا أو سهوا؛ لأن سجود السهو زيادة في الصلاة، فلا يجوز إلا بتوقيف، ولم يرد إلا في بعض الأبعاض. وقسنا باقيها عليه؛ لتكافئها، وبقي ما عداها على الأصل. فلو فعله ظانا جوازه بطلت صلاته، إلا إن قرب عهده بالإسلام، أو نشأ في بادية بعيدة عن العلماء؛ لأنه قد يعرف مشروعية سجود السهو، ولا يعرف مقتضيه. اهـ.
وفي المبسوط للسرخسي الحنفي: تكبيرة الانتقال سنة لا تضاف إلى جميع الصلاة، فبتركها لا يتمكن التغير في الصلاة، وكذلك لو سها عن تسبيحات الركوع والسجود؛ لأنها سنة تضاف إلى ركن منها لا إلى جميعها، فكان كالتعوذ وثناء الافتتاح. اهـ.
وقال الكاساني الحنفي في بدائع الصنائع: بخلاف تكبيرات الركوع والسجود؛ فإنها من السنن، ونقصان السنة لا يجبر بسجود السهو؛ لأن سجود السهو واجب، ولا يجب جبر الشيء بما هو فوق الفائت. اهـ.
أما المالكية فالتكبير عندهم من السنن، أما التسبيح فهو من الفضائل.
وقد جاء في بعض كتب المالكية أن سجود السهو قبل السلام لأجل ترك تكبيرة واحدة, أو تسميعة عمدا، يبطل الصلاة.
قال النفراوي -المالكي- في الفواكه الدواني: (ومن سها عن تكبيرة) من غير تكبير العيد وغير تكبيرة الإحرام، (أو عن) لفظ (سمع الله لمن حمده مرة واحدة) راجع للتكبيرة والتسميعة (أو) سها عن (القنوت فلا سجود عليه) وإن سجد لشيء من ذلك عمدا قبل سلامه، بطلت صلاته، إلا أن يكون مقتديا بإمام سجد على مذهبه، فلا تبطل صلاة المأموم، كما لا تبطل صلاته إن ترك السجود خلفه، أما لو كانت تكبيرة العيد أو تكبيرتين من غير العيد، أو تسميعتين لسجد، وإن صحت الصلاة بعدم السجود. اهـ.
كما تبطل الصلاة عندهم أيضا بالسجود لترك فضيلة كالتسبيح في الركوع, أو السجود إذا كان ذلك عمدا, أو جهلا.
قال ميارة -المالكي- في الدر الثمين:
لما فرغ من ذكر السنن أعقبها بالمندوبات وهي الفضائل
أولها التيامن بالسلام......
إلى أن قال:
السادس: التسبيح في الركوع والسجود يريد من غير تحديد. اهـ.
وفي منح الجليل للشيخ محمد عليش -المالكي- متحدثا عن مبطلات الصلاة: (و) بطلت (بسجوده) أي: المصلي قبل سلامه (لـ) ترك (فضيلة) ولو كثرت. اهـ.
وقال الدسوقي -المالكي- في حاشيته على الشرح الكبير: (قوله: وبسجوده قبل السلام لفضيلة) أي: عمدا, أو جهلا لا إن سجد سهوا فلا بطلان، ويسجد بعد السلام. اهـ.
5ـ مع التنبيه إلى أن تقليد أي مذهب لا يجوز أن يكون من باب تتبع الرخص، بل الواجب التقيد في ذلك بالضوابط التي حددها أهل العلم.
وراجع فيها الفتوى: 5592. وراجع لمزيد الفائدة، الفتوى: 144847
والله أعلم.