الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يوفقك، وأن يصلح قلبك، وأن يجعلك من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته.
واعلمي أن علاج القسوة والضعف الإيماني والفتور التعبدي لا يحتاج إلى معلومات تسرد بقدر حاجته إلى إرادة وعزيمة صادقة، فالعلاج معروف لا يكاد يجهله أحد، لكن الشأن كل الشأن في الأخذ بالعلاج والعمل به! ومع هذا فلا مانع من أن يلتمس الشخص واعظا يذكره بما غفل عنه.
وصلاح القلوب مبناه على مجاهدة النفس على العمل بما أنزل الله، قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ {العنكبوت:69}،
والشكوى والتذمر من قسوة القلب، وإن كانت خيرا من اللامبالاة، وتدل على نوع حياة للقلب، إلا أنها كثيرا ما تكون حيلة نفسية للقعود عن العمل، والاجتهاد في إصلاح القلب.
واعلمي أنه لا يملك الهداية إلا ربك ومولاك سبحانه، فاستعيني به صادقة، واعتمدي عليه، واضرعي إليه في أن يمنَّ عليك بالهدى والرحمة، واجتهدي في المحافظة على الفرائض، لا سيما الصلوات الخمس بخشوعها، وحضور القلب فيها.
وأكثري من الاستغفار، وذكر الله، وابتعدي عن اللغو واللهو، وإضاعة الوقت فيما لا ينفع.
وجاهدي نفسك على الأخذ بحظ من قيام الليل، ومناجاة الله في دجى الأسحار، فإنها من خير الوسائل لصلاح القلب.
واجعلي أعظم همك في تفهم معاني القرآن العظيم وتدبرها وتعقلها والتفكير فيها، فذلك أولى وأحرى من مجرد حفظ حروف القرآن الكريم.
قال ابن القيم: فلا شيء أنفع للقلب من قراءة القرآن بالتدبر والتفكر فإنه جامع لجميع منازل السائرين وأحوال العاملين ومقامات العارفين، وهو الذي يورث المحبة والشوق والخوف والرجاء والإنابة والتوكل والرضا والتفويض والشكر والصبر وسائر الأحوال التي بها حياة القلب وكماله، وكذلك يزجر عن جميع الصفات والأفعال المذمومة، والتي بها فساد القلب وهلاكه. فلو علم الناس ما في قراءة القرآن بالتدبر لاشتغلوا بها عن كل ما سواها، فإذا قرأه بتفكر حتى مر بآية وهو محتاجا إليها في شفاء قلبه كررها ولو مائة مرة ولو ليلة. فقراءة آية بتفكر وتفهم خير من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهم، وأنفع للقلب، وأدعى الى حصول الايمان، وذوق حلاوة القرآن، وهذه كانت عادة السلف يردد أحدهم الآية إلى الصباح، وقد ثبت عن النبي أنه قام بآية يرددها حتى الصباح، وهي قوله {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} فقراءة القرآن بالتفكر هي أصل صلاح القلب. اهـ. من مفتاح دار السعادة.
فاحرصي على النظر في التفاسير المختصرة، والقراءة بتؤدة وتمهل، والاستماع إلى تلاوة القرآن من القراء ذوي الأصوات الحسنة والنبرة الخاشعة.
ولا تعارض على الحقيقة بين مراجعة القرآن الكريم وبين التدبر والتفكر في معانيه، لكن جعل تثبيت الحفظ أكبر همه وتقديمه والاشتغال به عن التدبر والتفكر هو الذي لا يحسن ولا يجمل.
ومن القبيح التقصير في حق الزوج والأبناء، فحفظ القرآن الكريم مستحب، وحقوق الزوج والأبناء منها ما هو واجب يأثم المرء بالتقصير فيه، ومن قله التوفيق الاشتغال بالمستحب والمندوب عما حكمه الفرض والوجوب.
والجمع بين مراجعة القرآن الكريم والقيام بحقوق الزوج والأبناء يسير على من يسره الله عليه، ويمكنك المضي قدما في المراجعة دون الالتزام بذلك البرنامج الذي يلزمك بكم كبير من المراجعة وسرد الآيات المتشابهة. فالمهم أن يكون لك ورد يومي في المراجعة، فما دمت تحافظين عليه دون انقطاع، فسيقوى حفظك شيئا فشيئا بإذن الله تعالى، ولا بد أن تجدي ثمرة ذلك عاجلا أو آجلا.
وأما بخصوص عدم حصول ما دعوت به من رؤيا مبشرة، فمن المهم أن تعلمي أن استجابة الدعاء لا تعني إعطاء الداعي عين ما سأل، أو أن يجاب في الوقت الذي عينه في دعائه، بل استجابة الدعاء تكون بإحدى ثلاث وردت في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قال: ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذاً نكثر، قال: الله أكثر. رواه أحمد وصححه الحاكم.
قال ملا قاري: الإجابة على أنواع، منها: تحصيل عين المطلوب في الوقت المطلوب، ومنها: وجوده في وقت آخر لحكمة اقتضت تأخيره، ومنها: دفع شر بدله، أو إعطاء خير آخر خير من مطلوبه. ومنها: ادخاره ليوم يكون أحوج إلى ثوابه. اهـ. من مرقاة المفاتيح.
ويحسن التنبيه إلى أن من شأن المؤمن أن يحاسب نفسه ويتهمها، لكنه يقتصد في محاسبته لنفسه، ولا يغلو في تقريعها وتأنيبها، فإن ذلك قد ينتهي إلى به اليأس والقنوط. وهما من كبائر الذنوب والموبقات، قال تعالى: وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ {يوسف:87} وقال سبحانه: قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ {الحجر:56}.
والله أعلم.