السؤال
في ظل الظروف التي يمر بها العالم من انتشار وباء كورونا، ما زال أبي يخرج من المنزل، ويخالط أشخاصا لا أحد يعلم إن كانوا مصابين أم لا؟ عندما قمنا بنصحه بأن لا يخرج، وأن خروجه غير ضروري؛ رفض، بل وأصر بأنه سيخرج اليوم وغدا، وبعد غد وكل يوم.
الحمد لله نحن بحال مستور لا نحتاج مالا ولا أكلا، كل شيء متوفر داخل المنزل، وقد يكفينا لمدة شهور، ولكن أبي يصر على الخروج ليس للعمل الضروري، بل لعمل يمكن تأجيله أو الاستغناء عنه.
وحرصا على سلامتنا قمنا بحجر أنفسنا في غرفنا، وتقديم الطعام له بمفرده، ولكنه يرفض ذلك، ويقول: هذا بيتي، وسأدخل الغرفة التي أريد. أصبحنا نتحاشى الجلوس معه خوفا من أن يكون حاملا للفايروس، فهو لا يجلس في البيت.
فهل تصرفنا صحيح، أم نكون دخلنا في العقوق؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يخفى أن خروج الوالد من بيته ومخالطته للناس في ظل هذه الأوضاع: أن ذلك مظنة للإصابة بالمرض، وانتقال العدوى، ولكن ذلك لا يبلغ درجة اليقين.
وإذا كان الأمر كذلك، فلا نرى أن هذا الوضع يبرر للأبناء اعتزال آبائهم بالكلية، ولاسيما عند اعتراض الوالد وضيقه ورفضه لذلك. وإلا فإذا قام الابن بهذا لمجرد خروج والده من المنزل، فماذا سيفعل إذا أصيب والده بالمرض فعلا؟!
ولذلك نرى للسائل أن يترفق بوالده، ويرشده بأدب ولين لأهمية مكوثه في المنزل، ويستعين على ذلك بعقلاء أقاربه ومعارفه ممن له وجاهة عند الوالد.
فإن أصر الوالد على الخروج، فليفعل الابن ما يستطيع من أسباب التحرز دون أن يغضب والده. كالمحافظة على مسافة بينهما، ولبس الكمامة، واستعمال المعقمات، وغسل الأيدي والمضمضة والاستنشاق، وغير ذلك مما يوصي به المختصون.
وليستعن مع ذلك بالله تعالى، ويحافظ على أذكار الصباح والمساء، ويكثر من الدعاء بأن يحفظهم الله تعالى ويعافيهم. وليحتسب بره بوالده والإحسان إليه والصبر عليه.
ومن الوصايا النافعة في هذا الباب ما ذكره الشيخ محمد المختار الشنقيطي في شرح زاد المستقنع عند حديث: لا عدوى ولا طيرة. حيث قال: المراد أن يعتقد الإنسان أن العدوى تضر بنفسها، حتى إنك تجد الإنسان إذا مر على مزكومٍ، أو على من به مرض من الأمراض المعدية يقطع ويجزم جزماً تاماً أنه إذا صافحه أو سلم عليه، أو جلس إليه، أو سمعه فإنه سيضره، ولا يكون عنده من التوحيد والإيمان واليقين ما يجعله يعتقد بالله سبحانه وتعالى أكثر وأعظم، ويجعل قدرة الله هي الأساس، وأن الله قادر على أن يجعله لا يصاب بشيء، فكم من أناسٍ بروا بوالديهم وكان الوالد أو الوالدة مصاباً بمرض معدٍ، وبقوا معهم السنين، ومع ذلك ما أصابهم شيء؛ لأن الله لم يرد لهم ذلك. فالله سبحانه وحده هو القادر على كل شيء؛ ولذلك لما خرج القوم من بني إسرائيل خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ} لأنهم ظنوا أن خروجهم هو الذي سينجيهم من بلاء الله عز وجل وقدره ... اهـ.
والخلاصة أن المسلم ينبغي أن يعتدل في تعامله مع هذه الأوضاع، فيأخذ بالأسباب المشروعة، ويتوكل على الله تعالى، ويعلم أنما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
والله أعلم.