السؤال
عندما يقول لكم -أيها المشايخ الذين تتكلمون باسم الإسلام- العلمانيون: المرأة عندنا حرة، تقولون: بل حرية المرأة في الإسلام أكثر، وهي مكرّمة، وغير ذلك.
وعندما يشتكي لكم زوج من ظلم زوجته، أو أهلها تصبون جام غضبكم عليها باسم الدِّين، وتستخدمون ألفاظ: ملعونة، وناشز، ومنافقة، وناكرة للجميل، فأي جميل هذا الذي تقصدون!؟
تقولون: إن الرجل يجب أن تشكره المرأة؛ لأنه ينفق عليها، وكأن هذا شيء عظيم، وكأن المرأة ليس لديها عقل، أو أيدٍ يمكن أن تعمل بها، وتنفق على نفسها، فكل أحد من الممكن أن يحصل على المال.
كنت قبل الزواج أعيش في حرية، وأعمل، وأنفق، وأعرف أن الزواج مستحب فقط، ولا أفكر فيه أبدًا، ونصحني بعض المشايخ -أعمى الله بصرهم وبصيرتهم فهم سبب مشاكلي كلها، وتعاستي- بالزواج، وأن الزواج كل شيء بالنسبة للمرأة، وأنه سعادتها، رغم أني لم أجد دليلًا على أنه سعادتها، فأنا أستطيع أن أسعد دون زوج.
وقد تزوجت، وبدأت المشاكل، فقد أخذ راتب 11 شهرًا مني، وعندما اعترضت عليه، فصلني من العمل، وقال: اجلسي في البيت، فرجعت إلى المشايخ، فقالوا: نعم، اجلسي في البيت، وإذا خرجت، فأنت ملعونة بالحديث النبوي، فجلست في البيت، وأنا أشتاط غضبًا، وبعد شهرين طلبت منه هاتفًا وحاسوبًا لأشياء أريد العمل عليها، فقال لي: هذا شيء لا يلزمني، وليس من النفقة الواجبة عليّ، وإنما يجب عليّ الأكل والشرب، وحتى دواؤك لا يجب عليّ، فقلت: نعم، أنا مثل الحيوانات؛ آكل وأشرب فقط، فهذه هي الحياة.
بدأت أكره هذا الدِّين، وأقول في نفسي: أين هذه الحرية والعدالة التي يتباهى بها هؤلاء المشايخ!؟
أنا أعيش صراعًا داخليًّا، فقد انقلبت حياتي رأسًا على عقب بعد الزواج، وأريد أن أفارق هذا الزوج رغم أنه يحبني على طريقته الخاصة، لكني لا أريد التسلط عليَّ باسم الدِّين -متى استعبدتم الناس، وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا-.
قلت له مرة: أنت تعلم أني إذا تطلقت فعشرات من الشباب يرغبون في الزواج بي، وهو متأكد من هذا الشيء.
كرهت الزواج، ولا أريد أن أتزوج ثانية، وأريد أن أرجع لحياتي السابقة: أعمل، وأساعد الآخرين، وأنا ملتزمة بتقاليدي، وصلاتي، ولا أريد أن أزيد أي شيء على أركان الإسلام، وأريد استخدام حبوب قتل الشهوة نهائيًّا؛ حتى لا أفكر في الرجال، فهل هذا جائز؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يعافيك في دِينك ودنياك، وأن يوفقك لأرشد أمرك.
ثم لا بد للأخت الكريمة أن تفرّق بين الإسلام الذي هو دِين الله الحق، الذي بعث به النبي صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، وبين فهم الناس وتطبيقهم لهذا الدِّين، حتى ولو كانوا من المشايخ الذين يُنسبون للعلم والفقه في الدِّين، فهذا يصيب ويخطئ، ويستقيم ويعوج، بخلاف الدِّين ذاته، فهو حق كله، وعدل كله.
وليس في فهم ولا سلوك أحد حجة على الإسلام إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو الذي يؤخذ منه الدِّين، وتقوم به الحجة، وتتحقق به السيرة العملية التي تمثل الإسلام بكماله، وقد سبق لنا بيان طرف من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في معاملة زوجاته -رضي الله عنهن-، وذلك في الفتويين: 27182، 55015.
وكذلك أمر قوامة الزوج، وحقوقه على زوجته، كما جاءت بها الشريعة، تختلف كثيرًا عن فهم كثير من الناس لهذه القضية، وراجعي في ذلك الفتاوى: 265297، 138007، 278251. هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى؛ فإن الحرية في الإسلام ليست مطلقة، سواء للرجل أم للمرأة؛ فإن الحرية بإطلاق لا تعني إلا الفساد بإطلاق!
ولهذا فلا بدّ للجميع - رجالا ونساء - من تقييد الحرية بقيد الشرع الحنيف، الذي لا يحابي أحدًا، ولا يحكمه هوى، أو مصلحة خاصة، أو نظرة ضيقة، وإنما جاء ليعطي كل ذي حق حقه، وانظري الفتوى: 179315.
وعلى أية حال؛ فلا نرى أن نفصل في جزئيات السؤال، وما فيه من مغالطات فجة، وإنما نحتاج هنا إلى تنبيه الأخت السائلة على أن كل شكوى عادلة، وكل عيب حقيقي في زوجها أو فيها هي، إنما هو خلل في الشخص، لا في دِين الله تعالى.
ونحن لا نستطيع أن نوفّي هذه القضية حقها في هذه السطور، ولا سيما بعد مراجعة الأسئلة الأخرى للأخت السائلة؛ ولذلك فإننا ننصحها بألا تجعل تجربتها في الزواج هي الحكم على القضية برمتها، وأن تعلم أن عندها أخطاء كما أن عند زوجها أخطاء.
والأهم من هذا كله أن تتوب إلى الله تعالى من سوء الظن بالدِّين نفسه، وتحميله أخطاء زوجها، كما نرجو منها للأهمية أن تقرأ كتاب: (المرأة بين تكريم الإسلام وإهانة الجاهلية) للدكتور محمد إسماعيل المقدم. وكتاب: (المرأة بين الفقه والقانون) للدكتور مصطفى السباعي، وكلاهما متوفر على الإنترنت.
والله أعلم.