السؤال
أنا أريد أن أكون تقيا؛ لأنني عندما قرأت القرآن مع تفسير السعدي، وجدت أن الله يأمر كثيرا في كتابه بالتقوى، ويرغب فيها كثيرا، والأمثلة على ذلك لا يمكن ان تحصر في السؤال، والتقوى خلاصتها هو: فعل الأوامر، وترك النواهي التي وردت في القرآن والسنة النبوية، أوامر الله ورسوله. ومراتبها اثنتان:
1- من يفعل الواجب، ويترك المحرم فقط، وقد يفعل المستحبات أحيانا، ويقع في المكروهات أحيانا وهي مرتبة [المقتصدين].
2- من يلتزم بفعل كل الأوامر من واجب ومستحب، ويلتزم بترك كل النواهي من محرم ومكروه [السابقين بالخيرات]
ولكن كلما خضعت لاختبار فعل الأمر أو ترك النهي فشلت فيه، وتتولد في نفسي الاعتراضات على الأمر، مثال ذلك:
خذ مثلا آية:[خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين] تتولد في نفسي كثير من الاعتراضات حتى على مستوى العلة من الأمر كما في الفتوى: 411481.
وأيضا على سبيل المثال آية:[وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله].
وقد أرسلت إليكم في سؤال أوجه التساؤل في التنفيذ لعدم معرفة العلة من الأمر.
سؤالي : كيف أتخلص شخصيا من هذا الأمر؟
وما هو التعامل الأمثل للمسلم مع الأوامر والنواهي، حتى يكون من المتقين في ضوء الكتاب والسنة، ثم تقريرات أهل العلم؟
وكيف يتغلب المسلم على المعوقات التي تقف في قلبه على تنفيذ الأوامر وترك النواهي؟
كما أنني تعبت، كلما جاء نص قرآني ونبوي تعاملت معه هكذا؟
الإجابــة
الحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله لنا ولك التوفيق الهداية، والسلامة من الزيغ والغواية.
وقد أكثرت من الأسئلة التي تتفنن فيها في إثارة الإشكالات، وتوليد الاعتراضات، وهذه طريقة غير سديدة في تحصيل العلم الشرعي، ونوصيك بامتثال نصيحة شيخ الإسلام ابن تيمية التي أوصى بها تلميذه ابن القيم في هذه القضية.
قال ابن القيم: والقلب يتوارده جيشان من الباطل: جيش شهوات الغي، وجيش شبهات الباطل. فأيما قلب صغا إليها وركن إليها تشربها وامتلأ بها، فينضح لسانه وجوارحه بموجبها، فإن أشرب شبهات الباطل تفجرت على لسانه الشكوك والشبهات والإيرادات، فيظن الجاهل أن ذلك لسعة علمه، وإنما ذلك من عدم علمه ويقينه!
وقال لي شيخ الإسلام -رضي الله عنه- وقد جعلت أورد عليه إيرادا بعد إيراد-: "لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة، فيتشربها، فلا ينضح إلا بها، ولكن أجعله كالزجاجة المصمتة، تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها، فيراها بصفائه، ويدفعها بصلابته، وإلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليك صار مقرا للشبهات"، أو كما قال؛ فما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك .اهـ. من مفتاح دار السعادة.
واعلم أن التقوى والهداية إنما تُنال بالعمل، والعلم وسيلة إلى ذلك، فليست الهداية في مجرد تحقيق العلم دون عمل ومسارعة في الخيرات.
ويُخشى أن يكون الاشتغال بإثارة الإشكالات على الأوامر الشرعية حيلة نفسية للقعود عن العمل والامتثال، ليقنع المرء نفسه أنه بالتنقيب عن الشبهات قائم بما يجب عليه، ومعذور في تقصيره وتكاسله في العمل!
واعلم أن الوصول إلى التقوى لا يحتاج إلى تحقيقات وتحريرات علمية بقدر حاجته إلى إرادة وعزيمة صادقة في العمل، فطريق التقوى معروف لا يكاد يجهله أحد، لكن الشأن كل الشأن هو في مجاهدة النفس على العمل بما يرضي الله، والبعد عما يسخطه، قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ {العنكبوت:69}، وراجع الفتويين: 319849 - 97814 .
وراجع للفائدة في علاج الوساوس الفتوى: 51601.
ونعتذر عن النظر في بقية أسئلتك، لأننا بيّنّا في خانة إدخال الأسئلة أنه لا يسمح إلا بإرسال سؤال واحد فقط في المساحة المعدة لذلك، وأن الرسالة التي تحوي أكثر من سؤال سيتم الإجابة عن السؤال الأول منها، وإهمال بقية الأسئلة.
والله أعلم.