السؤال
أنا شاب، والدي اشترى شقتين، واحدة للأسرة لكي نعيش فيها، والأخرى لي من أجل أن أتزوج فيها، ويطالبني بسداد ثمنها خلال خمس سنوات. وقال لي نصا: إنني إن لم أستطع سداد ثمنها، سيقوم بإجباري أن أتركها، وأن أتدبر حال نفسي أنا وزوجتي؛ سواء أن أستأجر شقة، أو أتصرف بأي طريقة كانت، وأنه ليس من شأنه، وأترك له الشقة.
مع العلم بأنه ليس فقيرا، وليس بحاجه إلى أن أدفع له، وهو عنده من المال الكثير، ويتظاهر أمامي بأنه فقير، مع العلم بأن أبي متزوج من اثنتين، ويفضل أبناءه من الزوجة الثانية على أبنائه من أمي، ويظلمنا ظلما بيِّنًا بأن ينفق عليهم برغد وإسراف، ولا ينفق علينا إلا نادرا جدا. سؤالي: هل يجوز ما يفعله أبي بخصوص مطالبته لي بسداد ثمن الشقة؟ وهل يجوز لي أن أرفض السداد، وأن أرفض الخروج منها؟ وهل له عليَّ بر وطاعة وحق بصفته أبي؟ أم أنه ينطبق عليه حكم "لقد عققته قبل أن يعقك"؟
أسألك بالله أن تجيبني فأنا في حاجة شديدة لمعرفة الفتوى
جزاكم الله خيرا
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجب على أبيك، ولو كان غنيًّا أن يملكك شقة مجانا، ومطالبته لك بسداد ثمنها على أقساط؛ ليس فيه ظلم لك أو إثم عليه، فليس من حقّك أن تحوز الشقة بغير رضاه دون أن تدفع ثمنها.
وإذا كان والدك يفضل بعض أولاده على بعض دون مسوّغ، أو يمتنع من الإنفاق الواجب على بعضهم؛ فهذا ظلم محرم، ومع ذلك فحقّه عليك لا يسقط بظلمه أو إساءته، فإن الله قد أمر بالمصاحبة بالمعروف للوالدين المشركين اللذين يأمران ولدهما بالشرك، قال تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا{لقمان:15}.
وعقد البخاري في كتابه الأدب المفرد بابًا أسماه: باب بر والديه وإن ظلما ـ وأورد تحته أثرًا عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: ما من مسلم له والدان مسلمان، يُصبح إليهما محتسبًا، إلا فتح له الله بابين ـ يعني: من الجنة ـ وإن كان واحدًا فواحد، وإن أغضب أحدهما، لم يرضَ الله عنه حتى يرضى عنه, قيل: وإن ظلماه؟ قال: وإن ظلماه. اهـ.
فعليك بر أبيك، والإحسان إليه، واعلم أنّ برّ الوالدين من أعظم أسباب رضوان الله، ودخول الجنة.
ففي الأدب المفرد للبخاري عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قَالَ: رِضَا الرَّبِّ فِي رِضَا الْوَالِدِ، وَسَخَطُ الرب في سخط الوالد.
وعن أبي الدرداء أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: الوالد أوسط أبواب الجنة فإن شئت فأضع هذا الباب أو احفظه. رواه ابن ماجه والترمذي.
قال المباركفوري –رحمه الله- في تحفة الأحوذي: قَالَ الْقَاضِي: أَيْ خَيْرُ الْأَبْوَابِ وَأَعْلَاهَا، وَالْمَعْنَى أَنَّ أَحْسَنَ مَا يُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى دُخُولِ الْجَنَّةِ وَيُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى وُصُولِ دَرَجَتِهَا الْعَالِيَةِ مُطَاوَعَةُ الْوَالِدِ وَمُرَاعَاةُ جَانِبِهِ. انتهى.
والله أعلم.