السؤال
ما صحة قصة لقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم مع وفد بني عامر بن صعصعة، والذي جاء فيه: فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ -يُقَالُ لَهُ: بَيْحَرَةُ بْنُ فِرَاسٍ-: وَاللهِ، لَوْ أَنِّي أَخَذْتُ هَذَا الْفَتَى مِنْ قُرَيْشٍ، لأَكَلْتُ بِهِ الْعَرَبَ. ثُمَّ قَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ نَحْنُ تَابَعْنَاكَ عَلَى أمْرِكَ، ثُمَّ أَظْهَرَكَ اللهُ عَلَى مَنْ خَالَفَكَ، أَيَكُونُ لَنَا الأَمْرُ مِنْ بَعْدِكَ؟ قَالَ: «الأَمْرُ إلَى اللهِ، يَضَعُهُ حَيْثُ يَشَاءُ» ... ما تعليقكم على سند الرواية؟ وهل هي صحيحة؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فهذا الخبر أورده غير واحد من أصحاب السير، منهم ابن هشام في السيرة، والطبري في التاريخ، وابن كثير في البداية والنهاية، والسهيلي في الروض الأنف، وغيرهم، ولم نجد من حكم عليه من المتقدمين بصحة ولا ضعف.
ومعلوم أن منهجهم في أخبار السيرة التساهل فيها، وعدم التمحيص الدقيق في أسانيدها ومتونها، ما لم تكون فيها نكارة شديدة، أو مخالفة جلية لما هو ثابت، فقد قال الإمام أحمد بن حنبل، وغيره من الأئمة: إذا روينا في الحلال والحرام، شددنا، وإذا روينا في الفضائل ونحوها، تساهلنا. اهـ.
وقال ابن سيد الناس في عيون الأثر: والذي ذهب إليه كثير من أهل العلم الترخص في الرقائق، وما لا حكم فيه من أخبار المغازي، وما يجري مجرى ذلك، وأنه يقبل فيها ما لا يقبل في الحلال والحرام؛ لعدم تعلق الأحكام بها... اهـ.
وقال ابن برهان الحلبي في السيرة الحلبية: ولا يخفى أن السير تجمع الصحيح والسقيم والضعيف، والبلاغ، والمرسل، والمنقطع، والمعضل، دون الموضوع ...اهـ.
ومن ثَمَّ؛ قال الزين العراقي -رحمه الله- في ألفية السيرة:
وَلْيَعْلَمِ الطَّالِبُ أَنَّ السِّيَرَا ... تَجْمَعُ مَا صَحَّ وَمَا قَدْ أُنْكِرَا.
وَالْقَصْدُ ذِكْرُ مَا أَتَى أَهْلُ السّيَرْ ... بهِ، وإنْ إِسْنَادُهُ لمْ يُعْتَبَرْ.
والله أعلم.