السؤال
لقد ثبت على أبي أنه سرق من الرجل الذي يعمل معه، وعرف كثير من الناس بالموضوع. وينظرون إلي نظرة الله وحده يعلم بها، ويكلمونني بطريقة غير مباشرة عن الأمر؛ مما جعلني أكره نفسي وأكره أبي. فتركت له البيت، وأخبرت الناس أني بريء منه، وحاليا أعيش بمفردي.
وقبل السرقة كان أبي يستهزئ بي، ويقلل من شأني، ويكسر أحلامي، ويشتمني أمام الناس بأبشع الألفاظ.
فما حكم الإسلام في فعلتي بترك البيت؟ وماذا أفعل مع الناس!؟
أرجو الرد؛ لأن حالتي النفسية متدهورة جدا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كنت قد بلغت سن الرشد، ولا تخشى أن يترتب على تركك البيت مضرة على أبيك بسبب حاجته إليك، فلا حرج عليك في الانتقال عنه؛ فلا حضانة للوالدين على الابن البالغ الرشيد، كما ذكر الفقهاء.
قال ابن قدامة في المغني: فأما البالغ الرشيد: فلا حضانة عليه، وإليه الخيرة في الإقامة عند من شاء من أبويه. فإن كان رجلًا، فله الانفراد بنفسه، لاستغنائه عنهما، ويستحب أن لا ينفرد عنهما، ولا يقطع بره عنهما. اهـ.
والواجب عليك الاستمرار في بر أبيك وإحسانك إليه، فلا يسقط عنك ذلك بإساءته، وانظر الفتوى: 299887.
ومن برك بأبيك وإحسانك إليه أن تنصحه برفق، وتذكره بالتوبة إلى الله تعالى ورد الحق لصاحبه، وراجع الفتوى: 40782.
والتبرؤ من أبيك إن كنت تقصد به التبرؤ من العمل السيء، فلا حرج في ذلك، وإن قصدت به التبرؤ من النسب، فهذا لا يجوز، وسبق بيان ذلك بالتفصيل في الفتوى: 62765.
وليس من حق الناس تعييرك بما فعل أبوك، فلا يؤاخذ أحد شرعا بجريرة أحد، قال تعالى: وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى {الأنعام:164}. وروى الترمذي عن عمرو بن الأحوص -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" .....أَلاَ لاَ يَجْنِي جَانٍ إِلاَّ عَلَى نَفْسِهِ، وَلاَ يَجْنِي وَالِدٌ عَلَى وَلَدِهِ، وَلاَ وَلَدٌ عَلَى وَالِدِهِ..... ".
ثم إن أباك بشر يخطئ ويصيب، فنرى أن تعمل على مواجهة الناس بهذه الحقائق، فذلك أفضل من الابتعاد عنهم والانزواء.
ويمكن بذلك أن يخف الضغط النفسي، وعليك أيضا بالإكثار من ذكر الله تعالى؛ فإنه يكسب النفس الهدوء والطمأنينة، قال الله عز وجل: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {الرعد:28}.
والله أعلم.