السؤال
هل هناك عمل واحد، إذا عمله الإنسان ضمن دخول الجنة، والنجاة من النار؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن من أدَّى ما افترضه الله عليه، دخل الجنة، ونجا من النار، ففي الصحيحين عن طلحة بن عبيد الله: أن أعرابيًّا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثائر الرأس، فقال: يا رسول الله، أخبرني ماذا فرض الله عليّ من الصلاة؟ فقال: الصلوات الخمس، إلا أن تطوع شيئًا. فقال: أخبرني بما فرض الله عليّ من الصيام؟ فقال: شهر رمضان، إلا أن تطوع شيئًا. فقال: أخبرني ما فرض الله عليّ من الزكاة؟ فقال: فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم شرائع الإسلام، قال: والذي أكرمك لا أتطوع شيئًا، ولا أنقص مما فرض الله عليَّ شيئًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلح إن صدق، أو دخل الجنة إن صدق.
ولا يجوز ترك شيء من الفرائض بحجة أن القيام بواحد من الأعمال كفيل بدخول الجنة، والنجاة من النار، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن أعمال يدخل بها العبد الجنة، وينجو بها من النار، فمثلًا: جاء في الحديث: إن لله تسعة وتسعين اسمًا، من أحصاها دخل الجنة. فإحصاؤها سبب لدخول الجنة، وانظر الفتوى: 44198 في معنى الإحصاء.
ومن ذلك ما جاء في صحيح البخاري عن شداد بن أوس -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم: سيد الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني، وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء لك بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، قال: ومن قالها من النهار موقنًا بها فمات من يومه قبل أن يمسي، فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح، فهو من أهل الجنة.
ومن ذلك ما جاء في حديث معاذ لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن عمل يدخله الجنة، فبيّن له أنه عبادة الله تعالى وعدم الإشراك به، مع القيام بأركان الإسلام -من الصلاة، والصوم، والزكاة، والحج-، ففي مسند أحمد، وسنن الترمذي عن مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَأَصْبَحْتُ يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ وَنَحْنُ نَسِيرُ، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ، وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ. قَالَ: "لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيمٍ، وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللهُ عَلَيْهِ: تَعْبُدُ اللهَ، وَلَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ"، ثُمَّ قَالَ: "أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ؟: الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ"، ثُمَّ قَرَأَ: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة:16]، حَتَّى بَلَغَ {يَعْمَلُونَ}، ثُمَّ قَالَ: "أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الْأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذُرْوَةِ سَنَامِهِ؟"، فَقُلْتُ: بَلَى، يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ"، ثُمَّ قَالَ: "أَلَا أُخْبِرُكَ بِمِلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟" فَقُلْتُ لَهُ: بَلَى، يَا نَبِيَّ اللهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ، فَقَالَ: "كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا"، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: "ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ، أَوْ قَالَ: عَلَى مَنَاخِرِهِمْ، إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟".
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني