السؤال
قد قدَّر الله تعالى عليَّ الإصابة بمرض الكآبة، وإني لأحمده في السراء والضراء، فلا ملجأ منه إلا إليه. لم أجد حلًّا لهذا المرض إلا الصلاة. فأصلي ما شاء الله من النوافل في كل وقت وحين، متى ما شعرت بالضيق -عدا أوقات الكراهة التي نصت عليها السنة المطهرة، فاقرأ فيها القرآن الكريم-.
فهل في كثرة الصلاة أو اتخاذها علاجًا ابتداع؟ أم هذا مشروع في قوله تعالى: (واستعينوا بالصبر والصلاة). جزاكم الله خير جزاء المحسنين، ووفق خطاكم.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله لك الشفاء، وليس في التماس راحة القلب في الصلاة، وطلب علاجه بدعةٌ في الدين، بل هذا مشروع، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يفزع إلى الصلاة، وينشد راحته فيها. وفي مسند أحمد (38/ 330 ط الرسالة) وسنن أبي داود (2/ 35) عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ، صَلَّى.
وفي سنن أبي داود أيضا «سنن أبي داود ت الأرنؤوط » (7/ 338) عن سأل ابن أبي الجَعْدِ، قال: قال رجل: ليتني صَلَّيتُ فاسترحْتُ، فكأنّهم عابُوا ذلك عليه، فقال: سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم - يقول: يا بلالُ، أقِمِ الصَّلاةَ، أرِحْنا بها.
وأثرها في إسعاد القلب عظيم، بل ورد في حديث في إسناده ضعف أنها شفاء من أوجاع البدن كوجع البطن.
قال ابن القيم في زاد المعاد متحدثا عن تأثير الصلاة على القلب والبدن:
وَأَمّا الصّلَاةُ فَشَأْنُهَا فِي تَفْرِيحِ الْقَلْبِ وَتَقْوِيتِهِ وَشَرْحِهِ وَابْتِهَاجِهِ وَلَذّتِهِ أَكْبَرُ شَأْنٍ ... فَالصّلَاةُ مِنْ أَكْبَرِ الْعَوْنِ عَلَى تَحْصِيلِ مَصَالِحِ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَدَفْعِ مَفَاسِدِ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَهِيَ مُنْهَاةٌ عَنْ الْإِثْمِ، وَدَافِعَةٌ لِأَدْوَاءِ الْقُلُوبِ، وَمُطْرِدَةٌ لِلدّاءِ عَنْ الْجَسَدِ، وَمُنَوّرَةٌ لِلْقَلْبِ، وَمُبَيّضَةٌ لِلْوَجْهِ، وَمُنَشّطَةٌ لِلْجَوَارِحِ وَالنّفْسِ، وَجَالِبَةٌ لِلرّزْقِ، وَدَافِعَةٌ لِلظّلْمِ، وَنَاصِرَةٌ لِلْمَظْلُومِ، وَقَامِعَةٌ لِأَخْلَاطِ الشّهَوَاتِ، وَحَافِظَةٌ لِلنّعْمَةِ، وَدَافِعَةٌ لِلنّقْمَةِ، وَمُنْزِلَةٌ لِلرّحْمَةِ، وَكَاشِفَةٌ لِلْغُمّةِ، وَنَافِعَةٌ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ أَوْجَاعِ الْبَطْنِ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ" مِنْ حَدِيثِ مُجَاهَدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: رَآنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَنَا نَائِمٌ أَشْكُو مِنْ وَجَعِ بَطْنِي، فَقَالَ لِي: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَشِكَمَتْ دَرْدْ ؟ " قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: قُمْ فَصَلّ فَإِنّ فِي الصّلَاةِ شِفَاءً. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَنّهُ هُوَ الّذِي قَالَ ذَلِكَ لِمُجَاهِدٍ، وَهُوَ أَشْبَهُ . وَمَعْنَى هَذِهِ اللّفْظَةِ بِالْفَارِسِيّ: أَيُوجِعُك بَطْنُك؟ اهــ.
ومما ورد في هذا ما رواه محمد بن نصر المروزي في «تعظيم قدر الصلاة » (1/ 224): عن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرٍو موقوفا عليه أَنَّ آدَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَتْ بِهِ شَأْفَةٌ عَلَى إِبْهَامِ قَدَمِهِ، فَارْتَفَعَتْ إِلَى أَصْلِ قَدَمِهِ، ثُمَّ ارْتَفَعَتْ إِلَى رُكْبَتِهِ، ثُمَّ ارْتَفَعَتْ إِلَى مَنْكِبِهِ، ثُمَّ ارْتَفَعَتْ إِلَى أَصْلِ عُنُقِهِ، فَقَامَ فَصَلَّى صَلَاةً، فَنَزَلَتْ إِلَى مَنْكِبِهِ، ثُمَّ صَلَّى أُخْرَى فَنَزَلَتْ إِلَى حَقْوِهِ، ثُمَّ صَلَّى أُخْرَى، فَنَزَلَتْ إِلَى رُكْبَتِهِ، ثُمَّ صَلَّى أُخْرَى فَنَزَلَتْ إِلَى أَصْلِ قَدَمِهِ، ثُمَّ صَلَّى أُخْرَى فَخَرَجَتْ مِنْ رِجْلِهِ. اهـ
فأكثر من الصلاة، وقراءة القرآن، وسيزول عنك -بإذن الله تعالى- ما تعانيه من الكآبة.
والله أعلم.