السؤال
ما حكم مَن تديّن بدين آخر في عهد شريعة عيسى -عليه السلام-، مع العلم أن عيسى لم يرسل إلى الناس كافة؟ فهل المتدينون بدين آخر -مثل العرب القدماء- في عهد عيسى هم من أهل النار؟ وما الصحيح الذي كان عليهم أن يكونوا عليه من الدين في عهد عيسى -عليه السلام-؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلابد أولًا من التنبيه على أن الرسالات السماوية كلها متفقة في أصل الدِّين، الذي هو توحيد الله تعالى، وعبادته، ومسائل الإيمان، وإنما الخلاف بينها في الشرائع العملية، وانظر الفتوى: 67454.
وعلى ذلك؛ فكون الرسل جميعًا قبل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كانوا يبعثون إلى أقوامهم خاصة: لا يعني أن يخالَفوا في أصل الدِّين، وإنما غايته أن اتّباعهم في فروع شريعتهم، لا يلزم إلا قومهم، وأما موافقتهم في أصل الدين، فهذا عام، يلزم الناس جميعًا.
ثم إن بعثة نبي إلى قومه خاصة، إنما يعنى في لزوم دعوتهم، وتحتّم إجابتهم، ولا يعني أنه لا يجوز له أن يدعو غيرهم، أو أن يتّبعه غيرهم، وهذا كحال نبي الله يوسف -عليه السلام- مع صاحبيه في السجن، ومع أهل مصر، قال ابن دقيق العيد في «إحكام الأحكام»: عموم الرسالة يوجب قبولها عمومًا في الأصل والفروع. وأما التوحيد وتمحيص العبادة لله عز وجل: فيجوز أن يكون عامًّا في حق بعض الأنبياء، وإن كان التزام فروع شرعه ليس عامًّا، فإن من الأنبياء المتقدمين -عليهم السلام- من قاتل غير قومه على الشرك، وعبادة غير الله تعالى، فلو لم يكن التوحيد لازمًا لهم بشرعه أو شرع غيره: لم يقاتلوا، ولم يقتلوا ... ويجوز أن تكون الدعوة على التوحيد عامة، لكن على ألسنة أنبياء متعددة، فثبت التكليف به لسائر الخلق، وإن لم تعمّ الدعوة به بالنسبة إلى نبي واحد. اهـ.
وعلى ذلك؛ فالعرب، ونحوهم من غير بني إسرائيل -وإن كان لا يلزمهم اتّباع فروع شريعة موسى وعيسى-، إلا إنهم يلزمهم الأصل، الذي هو دين الأنبياء جميعًا، وقد كانوا على بقية من دين إبراهيم وإسماعيل. وراجع للفائدة الفتويين: 224575، 336709.
والله أعلم.