الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف يمكن للعاميّ اتّباع الدليل في المسائل الفقهية دون التزام بمذهب بلده؟

السؤال

أرجو منكم إفتائي، وعدم تحويلي لفتوى أخرى، فموقعكم هو الموقع المفضّل الذي أثق فيه، وقلبي يطمئن لفتواه -جزاكم الله خيرًا-.
أنا شافعي المذهب، وأريد اتّباع الدليل، والقول الراجح في المسائل الفقهية، حتى لو كانت المسألة خلاف مذهبي، فالذي يهمّني هو اتّباع كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فكيف يمكنني اتّباع الدليل، والقول الراجح في المسألة؟ مع العلم أنني دائم الاطلاع على الأمور الفقهية في موقعكم المبارك، وأصبحت لديّ قدرة على التمييز بين القول الراجح وغيره، أي أنني أبحث المسالة هنا وهنا؛ حتى أجد القول الراجح، فأرجو منكم توجيهي، وهل هناك كتاب في الفقه يعطي القول الراجح، والدليل في المسائل الفقهية؟ وإذا خالفت مذهبي، واتّبعت الدليل، والقول الراجح، فهل عملي صحيح؟ أي أنني لا أتعصب لمذهبي، ومتى رأيت القول القويّ الراجح والدليل، اتّبعته، فهل ذلك صحيح؟ أفتونا مأجورين.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فشكر الله لك ثقتك بموقعنا، وزادك الله حرصًا على طلب العلم، ونفعك بما تعلم.

وما دمت اخترت المذهب الشافعي لاتّباعه، فهذا حسن جميل، ولا حرج عليك في ذلك، وتبرأ ذمّتك بهذا التقليد، لكن إن بدا لك أن غيره أقوى منه في مسألة ما، أو كان من استفتيته عالمًا ثقةً عندك، فأفتاك بغير المذهب، فخذ بما أفتاك به، وانظر لبيان حكم التمذهب وضابطه الفتوى: 169151.

وننبهك إلى أن الأئمة جميعهم يقصدون إلى اتّباع السنة والدليل، فأنت إذا قلدت واحدًا منهم؛ لكونك غير عارف بوجوه الاستدلال، قاصدًا بذلك اتّباع الدليل؛ فأنت على خير، وقد فعلت ما يسعك؛ لأن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها.

وإذا كان لك نوع تمييز بين الأقوال، فاعمل بما أدّاه إليك تمييزك، فهو أولى من التقليد المحض، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية، فقد جاء في الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام -رحمه الله-: وأما تقليد المستفتي للمفتي: فالذي عليه الأئمة الأربعة، وسائر أئمة العلم أنه ليس على أحد، ولا شرع له التزام قول شخص معين في كل ما يوجبه، ويحرمه، ويبيحه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن منهم مَنْ يقول: على المستفتي أن يقلّد الأعلم الأورع ممن يمكنه استفتاؤه، ومِنهم مَن يقول: بل يخيّر بين المفتين إذا كان له نوع تمييز، فقد قيل: يتبع أي القولين أرجح عنده بحسب تمييزه؛ فإنّ هذا أولى من التخيير المطلق. وقيل: لا يجتهد إلا إذا صار من أهل الاجتهاد، والأول أشبه، فإذا ترجّح عند المستفتي أحد القولين: إما لرجحان دليله بحسب تمييزه، وإما لكون قائله أعلم وأورع؛ فله ذلك، وإن خالف قوله المذهب. انتهى.

وأما قضية الكتب التي تعتني بالقول الراجح: فاعلم أن الرجحان أمر نسبيّ، فما يكون راجحًا لدى أحد العلماء قد لا يكون راجحًا عند غيره، لكن هناك بعض الكتب اعتنى أصحابها بفقه الدليل، ومن الكتب تصانيف اعتنى أصحابها بضبط المذهب الذي يشرحونه، لكنهم يخرجون عنه لما يرونه موافقًا للدليل، ككتاب: الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-، ولا ريب في أن تصانيف شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم قد اشتملت على قدر صالح من ذلك، وانظر للفائدة حول ما يفعله العامي عند الخلاف الفتوى: 169801.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني