السؤال
هل كان معاوية ومن معه على علم بحديث الرسول: من آذى عليًّا فقد أذاني، والحديث الآخر: عمار تقتله الفئة الباغية. أثناء الفتنة التي وقعت بينهما؟ وإن كان يعلم، فما حكم الدين عليه إذًا؟
هل كان معاوية ومن معه على علم بحديث الرسول: من آذى عليًّا فقد أذاني، والحديث الآخر: عمار تقتله الفئة الباغية. أثناء الفتنة التي وقعت بينهما؟ وإن كان يعلم، فما حكم الدين عليه إذًا؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد كانوا -أو بعضهم- يعلمون ذلك، ولكأنهم تأوَّلوه، كما تأوَّلوا في أصل القتال، فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن الحارث، قال: إني لأساير عبد الله بن عمرو بن العاص ومعاوية، فقال عبد الله بن عمرو لعمرو: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تقتله الفئة الباغية. - يعني عمارا - فقال عمرو لمعاوية: اسمع ما يقول هذا، فحدثه، فقال: "أنحن قتلناه؟ إنما قتله من جاء به".
قال في مجمع الزوائد: رواه الطبراني، ورجاله ثقات، وكذلك أحد أسانيد عبد الله بن عمرو. اهـ.
وقال محقوو المسند: إسناده صحيح. اهـ.
وقال الماوردي في أعلام النبوة: قتل عمار يوم صفين، فلما ذكر الخبر لمعاوية لم ينكره، ودفعه عن نفسه بأن قال: إنما قتله من جاء به. اهـ.
وهذا التأويل وإن كان غلطا، وصاحبه مخطئ، إلا إنه مع أدلة وأمور أخرى، تمهِّد عذرهم، وقد سبق لنا تفصيل ذلك في الفتاوى: 24059، 253342، 30222 ، 138080.
ومما تحسن إضافته قول شيخ الإسلام ابن تيمية -كما في مجموع الفتاوى-: مما ينبغي أن يعلم أنه وإن كان المختار الإمساك عما شجر بين الصحابة، والاستغفار للطائفتين جميعا وموالاتهم؛ فليس من الواجب اعتقاد أن كل واحد من العسكر لم يكن إلا مجتهدا متأولا كالعلماء، بل فيهم المذنب والمسيء، وفيهم المقصر في الاجتهاد لنوع من الهوى، لكن إذا كانت السيئة في حسنات كثيرة كانت مرجوحة مغفورة. وأهل السنة تحسن القول فيهم، وتترحم عليهم وتستغفر لهم، لكن لا يعتقدون العصمة من الإقرار على الذنوب، وعلى الخطأ في الاجتهاد، إلا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومن سواه فيجوز عليه الإقرار على الذنب والخطأ، لكن هم كما قال تعالى: {أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم} الآية. وفضائل الأعمال إنما هي بنتائجها وعواقبها لا بصورها. اهـ.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني