السؤال
أولا: الآن أول شيء في سُلَّم أولويات العلم والعمل للمسلم "التوحيد". بدليل قول رسول الله في الحديث: فليكن أول ما تدعوهم إليه أن يوحدوا الله تعالى، وفي رواية: لا إله إلا الله، فإن هم أطاعوا لذلك.... فهذا دليل على أن أول شيء يسعى المسلم في تحقيقه، وتكميله هو التوحيد، إذا لم أكن مخطئا.
بالنسبة للمسلم العادي العامي، وليس طالب العلم، ولا العالم، فقد قرأت في فتاوى أنه ملزم بمعرفة التوحيد على وجه الإجمال، وليس التفصيل، يعني دعنا نقسم علم التوحيد إلى قسمين: إجمالي، وتفصيلي. ما هي الفروق بين الإجمالي الذي هو فرض عين على المسلم، والتفصيلي الذي هو فرض كفاية في العلم والعمل؟
علما بأني اشتريت (شرح تيسير العزيز الحميد، شرح الواسطية، شرح الحموية، شرح التدمرية، شرح الطحاوية) باستشارة أحد المختصين، بأن هذه الكتب من تعلم ما فيها، فقد حاز علم التوحيد.
على أن من أشار عليَّ بهذه الكتب، عندما سألته عن محتوى هذه الكتب هل هو التوحيد الإجمالي، أو التفصيلي، قال لي: إنه الآن لم يعد هناك فرق بينهما، وإن الإنسان يجب أن يتحصن خصوصا في زمن الشبهات، وانتشار الإلحاد، فهذا العلم في هذه الكتب، يكون وقاية من الشبهات؛ لأن الشيء يزال بضده.
ثانيا: بالنسبة لعقيدتي حاليا:
فأنا أؤمن بأن الله الوحيد خالق كل شيء، ولا أشرك، أو أعبد غير الله، وأؤمن بالأسماء والصفات من غير تمثيل، ولا تشبيه، ولا تكييف، ولا تأويل، ولا تعطيل.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فبداية ننبه على أن التوحيد أو الإيمان لا يقتصر على الإيمان بالله تعالى، بل يدخل فيه الإيمان ببقية أركان الإيمان الستة، وهي: الملائكة، والكتب، والرسل، واليوم الآخر، والقدر.
والمقصود بالإجمال هو الإيمان العام بجملة هذه الأشياء. وما أشبه ذلك بما نقله ابن قدامة في «لمعة الاعتقاد» عن الإمام الشافعي، قال: آمنت بالله، وبما جاء عن الله، على مراد الله، وآمنت برسول الله، وبما جاء عن رسول الله، على مراد رسول الله. اهـ.
وأما التفصيل: فبحسب ورود العلم، فما علمه من تفاصيل هذه الأركان آمن به كما بلغه، وهذا يكون على درجات بحسب العلم والفهم، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالة «الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان»:
من الناس من يؤمن بالرسل إيمانا عاما مجملا، وأما الايمان المفصل، فيكون قد بلغه كثير مما جاءت به الرسل، ولم يبلغه بعض ذلك، فيؤمن بما بلغه عن الرسل، وما لم يبلغه لم يعرفه، ولو بلغه لآمن به، ولكن آمن بما جاءت به الرسل إيمانا مجملا، فهذا إذا عمل بما علم أن أمره به مع إيمانه وتقواه، فهو من أولياء الله تعالى، له من ولاية الله بحسب إيمانه وتقواه.
وما لم تقم عليه الحجة به، فإن الله تعالى لم يكلفه معرفته، والايمان المفصل به، فلا يعذبه على تركه، لكن يفوته من كمال ولاية الله بحسب ما فاته من ذلك، فمن علم بما جاء به الرسول، وآمن به إيمانا مفصلا، وعمل به، فهو أكمل إيمانا وولاية لله ممن لم يعلم ذلك مفصلا، ولم يعمل به، وكلاهما ولي الله تعالى. اهـ.
وقال أيضا -كما في مجموع الفتاوى-: لا يشترط في الإيمان المجمل العلم بمعنى كل ما أخبر به؛ هذا لا ريب فيه. فكل من اشتبه عليه آية من القرآن، ولم يعرف معناها، وجب عليه الإيمان بها، وأن يكل علمها إلى الله، فيقول: "الله أعلم". وهذا متفق عليه بين السلف والخلف. فما زال كثير من الصحابة يمر بآية ولفظ لا يفهمه، فيؤمن به، وإن لم يفهم معناه. اهـ.
وقال أيضا: الإيمان المجمل بما جاء به الرسول من صفات الرب، وأمر المعاد يكفي فيه، ما لم ينقض الجملة بالتفصيل. اهـ.
وأما الفرق بين الإجمال والتفصيل في الحكم، فكما قال شارح الطحاوية: لا ريب أنه يجب على كل أحد أن يؤمن بما جاء به الرسول إيمانا عاما مجملا، ولا ريب أن معرفة ما جاء به الرسول على التفصيل فرض على الكفاية. اهـ.
ومن الكتب المختصرة التي اقتناها السائل في بيان عقيدة أهل السنة والجماعة: (العقيدة الواسطية)، ويأتي التفصيل في شروحها، وهي كثيرة.
والله أعلم.