السؤال
نعلم أنه بعد البعث، يحشر الخلق على أرض جديدة؛ للحساب، كما في قوله تعالى: يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ .... وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء، كقرصة النقي.
وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، أن الخلق يكونون على الصراط يوم تبدل الأرض، كما في الحديث: عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ إبراهيم/48، فَأَيْنَ يَكُونُ النَّاسُ يَوْمَئِذٍ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: عَلَى الصِّرَاطِ. رواه مسلم (2791).
فسؤالي هو: هل مرور الخلق على الصراط يكون قبل يوم الحساب (أي قبل تبدل الأرض) لأن الخلق يكونون على الصراط أثناء تبدل الأرض؟
ونحن نعلم أنه بعد المرور على الصراط إما أن تجتازه وتدخل الجنة، أو تقع في النار ... وهذا يكون بعد أن يحاسب كل الخلق عن أعمالهم.
وشكرا جزيلا لكم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمرور على الصراط لا يكون قبل الحساب قولا واحدا، ولكن تبديل الأرض والسموات، هو الذي اختلف كلام أهل العلم في كيفيته وفي وقته؛ لما في الآثار المروية في ذلك من اختلاف؟
وقد عقد القرطبي في التذكرة بابا في ذلك، فقال: باب أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات. وذكر ما فيه من أقوال وأدلة.
ثم قال: ذكر أبو الحسن شبيب بن إبراهيم بن حيدرة في كتاب الإفصاح له: أنه لا تعارض بين هذه الآثار، وأن الأرض والسماوات تبدل كرتين، إحداهما: هذه الأولى، وأنه سبحانه يغير صفاتها قبل نفخة الصعق فتنتثر أولاً كواكبها، وتكسف شمسها وقمرها وتصير كالمهل، ثم تكشط عن رؤوسهم، ثم تسير الجبال ثم تموج الأرض، ثم تصير البحار نيراناً، ثم تنشق الأرض من قطر إلى قطر فتصير الهيئة غير الهيئة، والبنية غير البنية، ثم إذا نفخ في الصور نفخة الصعق طويت السماء ودحيت الأرض، وبدلت السماء سماء أخرى، وهو قوله تعالى: {وأشرقت الأرض بنور ربها}، وبدلت الأرض: تمد مد الأديم العكاظي، وأعيدت كما كانت فيها القبور، والبشر على ظهرها وفي بطنها. وتبدل أيضاً تبديلاً ثانياً: وذلك إذا وقفوا في المحشر فتبدل لهم الأرض التي يقال لها الساهرة، يجلسون عليه وهو أرض عفراء وهي البيضاء من فضة لم يسفك عليها دم حرام قط، ولا جرى عليه ظلم قط، وحينئذ يقوم الناس على الصراط .. اهـ.
وحاصل ذلك أن التبديل يحصل مرتين: مرة في الصفات وذلك قبل الحساب وقبل نفخة الصعق، ومرة في الذات وذلك في المحشر قبل الصراط.
وبذلك جمع السفاريني في «البحور الزاخرة في علوم الآخرة» حيث قال: اختلفوا في التبديل: هل هو قبل يوم الحساب أم بعده؟ فقيل: قبل يوم الحساب. وقيل: والناس على الصراط - وذكر أدلة ذلك ثم قال: -هذا حاصل ما قاله كل من الفريقين. ووجه الجمع بين القولين: ما أشار إليه صاحب "الإفصاح" .. اهـ.
وذكر ما نقله القرطبي سابقا عن ابن حيدرة صاحب الإفصاح. ونقله أيضا الحافظ ابن حجر، ولم يتعقبه.
وقال البعلي في «مختصر الفتاوى المصرية» لابن تيمية: الأرض تبدل كما ثبت في الصحيحين أن الناس يحشرون "على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي، ليس فيها علم لأحد". قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "هي أرض بيضاء كهيئة الفضة لم يعمل عليها خطيئة ولا سفك فيها دم حرام، ويجمع الناس في صعيد واحد ينفذهم البصر ويسمعهم الداعي حفاة عراة غرلا كما خلقوا، فيأخذ الناس من كرب ذلك اليوم وشدته حتى يلجمهم العرق". وبعضهم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا عن مجاهد وغيره من السلف. فهذا الحديث وسائر الآثار تبين أن الناس يحشرون على الأرض المبدلة، والقرآن يوافق على ذلك؛ كقوله تعالى: {يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار}. وحشرهم وحسابهم يكون قبل الصراط، فإن الصراط عليه ينجون إلى الجنة، ويسقط أهل النار فيها، كما ثبت في الأحاديث. وحديث عائشة -رضي الله عنها- المتقدم يدل على أن التبديل وهم على الصراط، لكن البخاري لم يورده، فلعله تركه لهذه العلة وغيرها، فإن سنده جيد. أو يقال: تبدل الأرض قبل الصراط، وعلى الصراط تبدل السماوات. اهـ.
والله أعلم.