السؤال
سؤالي الأول: هل يجوز سجن الأم أو الأب؟
السبب الأول: أمي كانت تتلفظ بألفاظ سيئة جداً على العائلة، تقوم بتشويه السمعة أمام زوجة أخي، فرد أخي عليها، وحدثت المشاكل. وذهبت إلى الجيران وأتت بفكرة المحكمة.
السبب الثاني متصل مع الأول: الأم تدعي أنها أقرضت المال لأخي، وهذا غير صحيح؛ لأن المبلغ عال جداً، والأم لا تعمل، وكبيرة.
الأم اشتكت في المحكمة على مدار سنتين، وحكم عليها بأنها قضايا كيدية، وأخي قرر الرد عليها؛ لأنها كانت تهدد بتشويه السمعة في مقر عمله وعند أهل زوجته، للعلم الأم والأب منفصلان. وقد طلبت مني ومن أخي شهادة زور ضده، وطلب رد اعتبار، ولكن يوجد في هذا حق عام.
سؤالي الثاني: ما حكم أخي في هذا الموضوع هل هو على صواب أم على خطأ؟ للعلم أكثر من مرة تواصلنا مع الأم للحل بهدوء، ولكن جيرانها يحرضونها ويشعلون المشاكل، وللأسف الأم تصدقهم أكثر من مرة، ولا تسمع منا الكلام؟
السؤال الثالث: ماذا سيكون وضعنا هل يكون أخي عاقا، وأنا لم أستطع فعل شيء رغم محاولاتي. فهل أصبح عاقا؟ لأن الوضع أتعب حالتي النفسية.
آسف على الإطالة، وإن شاء الله يكون شرحي واضحا مع السؤال.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يخفى عظم مكانة الوالدين، وأن الله -عز وجل- قرن حقهما بحقه، فقال: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا {الإسراء:23}.
فحقهما البر والإحسان، وخاصة الأم؛ لكونها أعظم حقا من الأب، ومن أفضل البر والإحسان السعي في إصلاح حال الأم بالدعاء لها، فالله -سبحانه- قد أمر بالدعاء، ووعد بالإجابة، قال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ {غافر:60}، والله -سبحانه- قادر على أن يصلحها، وقلوب العباد بين يديه يقلبها كيف يشاء.
وقد أحسنتم بتواصلكم مع أمكم والسعي في الحل، ونوصي بالاستمرار في ذلك، ويمكن الاستعانة عليها بأهل الخير والفضل.
وإن ثبت أن الجيران يحرضونها، فينبغي مواجهتهم، وبذل النصح لهم، وتذكيرهم بالله -تعالى- وبيان خطورة الإفساد بين الأحبة وأن هذا سبيل السحرة والشياطين، ويمكن تهديدهم برفع الأمر إلى من يمكنه ردعهم عن سوء فعلهم إن اقتضى الأمر ذلك.
وإن صلح حال أمكم، فالحمد لله، وإلا فاصبروا عليها، واعملوا على مداراتها، والاستمرار في محاولة إصلاحها وكثرة الدعاء لها بالخير.
وأما التسبب في سجنها، فلا يجوز؛ فإن هذا يتنافى مع ما أمر الله -سبحانه- به من المصاحبة المعروف، وذلك في قوله: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا {لقمان:15}.
ولذلك منع الفقهاء من حبس الوالد بسبب دين ولده.
قال الكاساني -الحنفي- في بدائع الصنائع: فَلا يُحْبَسُ الْوَالِدُونَ وَإِنْ عَلَوْا، بِدَيْنِ الْمَوْلُودِينَ وَإِنْ سَفَلُوا؛ لِقَوْلِهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: { وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا }، وقوله تعالى: { وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا }. وَلَيْسَ مِن الْمُصَاحَبَةِ بِالْمَعْرُوفِ وَالإِحْسَانِ حَبْسُهُمَا بِالدَّيْنِ... اهـ.
ولا شك في أن حبس الوالد إيذاء شديد له، فإن تسبب فيه الولد كان عاقا له.
ويجب على أخيك أن يكون حذرا، فإن صدر منه أي أذى لأمه ولو بتقطيب الوجه، يكون بذلك قد وقع في العقوق، فتجب التوبة منه واستسماح الأم.
وسبق بيان ضابط العقوق وخطورته، في الفتوى: 73485، والفتوى: 11287.
ولا تكون أنت عاقا إذا لم يصدر منك ما يقتضي العقوق، وليس في مجرد الإخفاق في إصلاح الحال، وقوع في العقوق، ونرجو أن تكون مأجورا بهذه المساعي الحميدة للإصلاح.
وننبه إلى أن الأم إذا لم يكن لها مال، فنفقتها واجبة على ميسوري الحال من أولادها، فيجب عليهم أن ينفقوا عليها، كُلٌّ بحسبه.
والله أعلم.