السؤال
أبي عنده ذهان مع ثنائي القطبية، تعذبنا منذ صغرنا بسببه. الآن كبر في السن، ويسبب المشاكل، ولا يقدر حجم الضرر الذي يُلحقه بنا، ويعرضنا للإحراج أمام الناس والجيران. وأحيانا يتهمنا بأشياء لم نفعلها، ودائما نحن مخطئون، والناس يرونه طبيعيا، أحيانا أتشاجر معه، ويرتفع صوتي، أفقد أعصابي بسبب كثرة الضغوط المادية والنفسية، والأسوأ أنه لا يقوم بواجبه، ولا يتركنا نفعل الأصح.
أعاني من الذنب من بعد كل مشكل بصفة يومية، لم أعد أقدر على تحمل المشاكل يوميا. هل سيحاسبني الله؟ هل يعتبر عقوقا رغم كل المحاولات لتفادي المشاكل؟ لأني عندما أصمت، ولا أرد يقول إنك لا تهتمين بي. هل سيعذبني الله؟ الأمر فوق طاقتي في التحمل وأعاني.
للعلم أخي عنده ذهان أيضا، وأحيانا لا ينام، يمشي طوال الليل، ولا يدعنا ننام. السهر يزيد عصبيتي، وكذلك العمل خارج البيت مع المشاكل داخلها.
أفتوني، جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يزيل عنك الهم والغم، ويفرج الكرب، فهذا نوع من الابتلاء، ومن أفضل ما يستعان به عليه الصبر، فبه يتسلى المؤمن، وتكفر عنه السيئات، وترفع الدرجات، ولمزيد في فضل الصبر راجعي الفتوى: 18103.
وعليك أيضا بالإكثار من الذكر، فمن أعظم فوائده أنه يجلب للقلب الفرح والسرور، ويقوي القلب والبدن، قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {الرعد:28}.
هذا بالإضافة إلى الدعاء أن يشفي الله سبحانه كلا من أبيك وأخيك، فالله سبحانه هو السميع المجيب، وهو القائل: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ {النمل:62}.
واعلمي أن حق أبيك عليك من أعظم الحقوق بعد حق الله تعالى، وبره، والإحسان إليه من آكد الواجبات، وهو سبب رضوان الله تعالى، ودخول الجنة، ففي سنن الترمذي عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قَالَ: رِضَا الرَّبِّ فِي رِضَا الْوَالِدِ، وَسَخَطُ الرب في سخط الوالد.
وفي الحديث الآخر عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع هذا الباب، أو احفظه. رواه الترمذي، وابن ماجه.
ولا يسقط عنك وجوب احترامه وخفض الجناح له مهما أساء إليكِ وآذاكِ، وسبق أن بينا ذلك في الفتوى: 419614.
فما صدر منك تجاهه من شجار، ورفع صوت عليه؛ لا شك في أنه منكر عظيم، وعقوق تجب عليك التوبة منه. وراجعي 185693.
فجاهدي نفسك، وتحكمي في أعصابك مهما أمكن ذلك، وما حصل من ذلك منك في حال غفلة، أو نسيان، أو غلبة الضغوط، فنرجو أن لا يحاسبك الله عليه، وأن يكفره ما تقومين به من بره والإحسان إليه في حالتك الطبيعية.
والغضب من الشيطان، فإن انتابك فاستعيذي بالله من الشيطان الرجيم، وعالجيه بغير ذلك من سبل العلاج النبوي، وقد بيناها في الفتوى: 8038.
وإذا خشيت أن يصدر عنك تصرف مذموم، فانصرفي من عند أبيك، حتى يذهب عنك الغضب.
والله أعلم.