السؤال
أنا مطلّقة، وعندي طفل، وبعد الطلاق سكنت في بيت والدتي، ووالدي متوفى، وأمّي امرأة بشعة وبخيلة جدًّا جدًّا، وتفرّق بيني وبين إخوتي، وتريد أن تأخذ مني مالًا مقابل جلوسي في بيت والدي، رغم أني أحضر ما أقدر عليه، وإخوتي الذكور غير متزوجين، وساكنون معها، وهي تطعمهم ولا تطلب منهم شيئًا، وستتكفل بجميع نفقات زواجهم، ولن يدفع أحد منهم شيئًا؛ لأنها تحب الأولاد، وتفرّق في المعاملة بيننا، بل إن ابني كره الجلوس معهم، وقد صرت أكرهها جدًّا.
بالإضافة إلى أنها امرأة منافقة، تتكلم على الناس من خلفهم، وعينها تتطلّع إلى المبلغ الذي يرسله لي طليقي نفقةً لابنه، وقد أخبرتها مرة أنه لا يبعث مبلغًا كبيرًا، لكنه كبير بالنسبة لها؛ لأنها لا تنفق شيئًا، ومعها في البنك ما يزيد عن نصف مليون، ومعاشها كبير.
أنا أكرهها جدًّا جدًّا من كل قلبي؛ فهي وطليقي أفسدوا عليّ حياتي، ولن أسامحهم، وأقول فيها كل يوم: "حسبي الله ونعم الوكيل"، وسؤالي: هل هي آثمة وستعاقب؟ فأنا أتمنى أن يردّ لي ربي حقّي، ولماذا أمرنا الله تعالى أن نعامل الأهل جيدًا ولم يأمر الوالدين أن يعاملوا الأولاد بالإحسان؟ أليس في ذلك ظلم وتفرقة؟ أعتقد أنني لن أحزن عليها لو ماتت.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله لك الهداية، والتوفيق، وأن يؤتيك من لدنه رحمة، وأن يهيئ لك من أمرك رشدًا.
وأما ما سألت عنه حول معاملة الآباء والأمهات لأبنائهم، وأن الله لم يأمرهم بالإحسان إليهم، وكفّ الظلم عنهم:
فالجواب عنه: أن هذا التصوّر غير صحيح؛ فقد أوصى الشرع الوالدين بالأولاد، ونهى عن ظلمهم، وأمر بالعدل بينهم، قال سبحانه: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ {النساء:11}، قال السعدي -رحمه الله-: أي: أولادكم - يا معشر الوالِدِين- عندكم ودائع، قد وصاكم الله عليهم؛ لتقوموا بمصالحهم الدينية، والدنيوية، فتعلمونهم، وتؤدبونهم، وتكفونهم عن المفاسد، وتأمرونهم بطاعة الله، وملازمة التقوى على الدوام، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ. فالأولاد عند والديهم موصى بهم، فإما أن يقوموا بتلك الوصية، وإما أن يضيعوها؛ فيستحقوا بذلك الوعيد والعقاب. انتهى.
وفي صحيح البخاري عن النعمان بن بشير -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم: فاتقوا الله، واعدلوا بين أولادكم. وفي صحيح ابن حبان: .. اعدلوا بين أولادكم في النِّحَل، كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر، واللطف.
لكن جاءت وصية الأولاد بوالديهم أكثر من وصية الوالدين بأولادهم؛ اكتفاءً بدافع الفطرة التي فطر الله عليها الوالدين من الرحمة بأولادهم.
ولو فرضنا تقصير أحد الأبوين فيما يجب عليه، أو فرضنا إساءته وظلمه؛ فإن ذلك لا يسقط برّه، ولا يبيح مبادلة إساءته بمثلها؛ فحق الوالدين عظيم، ولا سيما الأمّ؛ فلا تجوز لك الإساءة إليها بقول، أو فعل، ولو فرض أنّها أساءت إليك، أو فضّلت إخوانك عليك، وراجعي الفتوى: 101410.
ومن المستغرب أن يكون عند البنت رغبة في التشفّي من أمّها، وفرح بعقاب الله لها؛ فالأصل أنّ قلب المؤمن يفيض رحمة للخلق جميعًا، ويحب لهم الهداية، والعافية.
وأنت أمّ، وبرّك بأمّك، قد يكون سببًا لبرّ أبنائك بك، وسببًا لرضا ربّك عنك، وسببًا لتوفيقك في هذه الدنيا، وسعادتك في الآخرة.
فاستعيذي بالله من الشيطان، واحرصي على برّ أمّك، والإحسان إليها؛ بإلانة الكلام، والتودّد إليها بالحسن من الأقوال، والأفعال؛ فإنّ مقابلة السيئة بالحسنة مما يجلب المودة، ويقي شر نزغات الشيطان، قال تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34}، فإذا كان ذلك مع بعض الأعداء، فكيف بالأمّ التي حملتك كرهًا، ووضعتك كرهًا!؟ كما قال تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ {الأحقاف:15}.
والله أعلم.