السؤال
هل أنا بخيل؟ نشأت في أسرة متوسطة، تزوجت في حجرة من شقة الأسرة، لم أصرف على زواجي جنيها واحدا، تكاليف زواجي كانت على عاتق والدي. اشتغلت، وخرجت من حجرة الزوجية إلى شقة منفصلة، حجرة وصالة، وبعدها اشتريت شقة 68م بمدينة راقية، واشتريت منزلا صغير الحجم، أصبح ثلاثة طوابق، والحمد لله على رزق الله.
خلال تلك الفترة رزقت بخمسة أطفال. الآن أصبحوا شبابا. منهم واحد تزوج، ووقفت معه حتى أكمل شقته، وتزوج بها. وابنتي تركت لها في البنك مبلغا من المال كي أواجه به مصاريف جهازها.
أنا إنسان لا أحب أن يطرق أحد بابي؛ ليقول لي هات الذي عليك. إنسان أدخر جزءا من رزق اليوم الوفير إلى غد.
أُعيِّش أسرتي عيشة متوسطة، وأنا معي ما يُعيشني أفضل، ولكن أنظر لمستقبل الأولاد والبنت في ظل ظروف اقتصادية عندنا سيئة جدا.
الأولاد ينظرون إلى أن كل الناس يساعدون أبناءهم بالمال، وشراء شقة. وأنا أرفض الكلام هذا، لأني أخبرهم أنا أقف معكم بمثل الذي تملكونه من المال لزواجكم. من معه 50 ألفا سأضع له 50 ألفا؛ لكن تقول لي: أنا لا أملك شيئا، وتريدني أن أزوجك اليوم، فأنا آسف.
يأتي الرد وهو: هل أنت زوجت نفسك؟ جدي هو الذي زوجك، يقصد والدي -رحمة الله عليه-.
أنا لو أعطيتهم، ونفذت لهم ما يريدون، ولم يتعبوا في شيء، فسأتحمل بعد ذلك ابني، وزوجته، وأطفاله، وسيلقي بالحمل عليَّ؛ لأنه ببساطة لم يتعب في زواجه.
نعم أبي زوجني في حجرة، لكن تلك الأيام كان جيلا، والآن يوجد جيل آخر، مختلف عنا تماما.
الحمد لله أنا مواظب على صلاتي، وعلاقتي بربي أحسبها على خير، والحمد لله، ولكنني أعمل مثل قصة نملة سليمان، عندما أغلق عليها ومعها حبتان قمح. فآكل واحدة، وأدخر الأخرى لاحتمال شظف العيش. خاصة مع كثرة الأمراض، وقلة فرص العمل للشباب، وغير ذلك كثير.
فهل أنا بخيل؟ وهل تنفع مساعدة الأولاد في زواجهم بدون أن يشاركوا في بناء بيوتهم بالنسبة للأولاد؟
أما البنت فأعرف جيدا أن جهازها كله على عاتقي، حتى تصل إلى بيت زوجها -إن شاء الله-.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن كنت تؤدي ما عليك من الحقوق المالية، كالزكاة، والنفقات الواجبة؛ فلست بخيلا.
قال القرطبي -رحمه الله- في تفسيره: البخل المذموم في الشرع هو الامتناع من أداء ما أوجب الله تعالى عليه. انتهى.
وقد حثّ الشرع على الاعتدال في الإنفاق، فقال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا {الفرقان:67}.
قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره: أي: ليسوا بمبذرين في إنفاقهم فيصرفون فوق الحاجة، ولا بخلاء على أهليهم فيقصرون في حقهم؛ فلا يكفونهم، بل عدلا خيارا، وخير الأمور أوسطها، لا هذا، ولا هذا. انتهى.
وفي مسند أحمد عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما عال من اقتصد.
قال المناوي -رحمه الله- في فيض القدير: أي ما افتقر من أنفق فيها قصدا، ولم يتجاوز إلى الإسراف، أو ما جار ولا جاوز الحد. والمعنى إذا لم يبذر بالصرف في معصية الله، ولم يقتر فيضيق على عياله، ويمنع حقا وجب عليه شُحًّا وقنوطا من خلف الله.... انتهى.
وإذا كان محمودًا منك أن تحثّ أولادك على الاجتهاد في الكسب الحلال، وأن يأكلوا من عمل أيديهم، فليس محمودًا أن تمتنع من إعانة من لم يقدر على مؤنة الزواج، فقد نصّ بعض أهل العلم على أنّ الواجب على الأب الموسر تزويج الابن إذا كان محتاجا إلى الزواج، وليس له مال أو كسب.
قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: على الأب إعفاف ابنه إذا كانت عليه نفقته، وكان محتاجا إلى إعفافه، وهو قول بعض أصحاب الشافعي. انتهى.
أمّا تجهيز البنات للزواج؛ فهو على الزوج، وليس واجبا على الأب، خلافا لما هو شائع في عرف بعض البلاد. وراجع الفتوى: 31057.
واعلم أنّ الله تعالى قد وعد من ينفق على أهله بالخلف، والأجر العظيم. ففي الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما من يوم يصبح فيه العباد إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا. وعنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: قال الله تعالى: أنفق يا ابن آدم أنفق عليك.
وفي صحيح مسلم عن أَبِي هُرَيْرَةَ عَن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة ، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك.
والله أعلم.