السؤال
كتبت لي أمي جزءًا من أرض تملكها؛ لشعورها أني وقفت بجانبها في مواقف كثيرة. ولإقامتها في بيت زوجي بعد تعرضها لحادثة، ولم يقم أحد برعايتها غيري، حتى توفاها الله.
ومع ذلك لم تتعد قطعة الأرض المباعة لي الثلث. وقد أوصتني بإقامة مسجد على جزء من هذه الأرض. ولم أخبر إخوتي بذلك، خوفا من أن يقوم أخي بإيذائها نفسيًا بإقامة دعوى حجر عليها. وبعد موتها رفع أخي عليَّ دعوى ببطلان العقد.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فليس من عملنا في مركز الفتوى؛ أن نتكلم في مسائل المنازعات، وخاصة إذا رفعت للقضاء؛ فالفتوى لا تفيد في مثل هذه الأحوال، والذي يفصل فيها هو القضاء.
لكن من حيث الحكم الشرعي على وجه العموم؛ نقول إن الوصية لأحد الورثة لا تصحّ بغير إجازة جميع الورثة.
قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: ولا وصية لوارث، إلا أن يجيز الورثة ذلك. وجملة ذلك أن الإنسان إذا وصى لوارثه بوصية، فلم يجزها سائر الورثة، لم تصح. بغير خلاف بين العلماء. انتهى.
أمّا الوصية ببناء مسجد؛ فهي وصية صحيحة يجب تنفيذها إذا خرجت من ثلث التركة.
وأمّا الهبة في حال الحياة والصحة؛ فالواجب فيها العدل بين جميع الأولاد، فإن حصل تفضيل لبعض الأولاد؛ فالأولى للمفضل أن يرد ما فضل به إلى التركة، لكن أكثر العلماء على أنّ الهبة قد ثبتت وليس لسائر الورثة المطالبة بردها.
قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: إذا فاضل بين ولده في العطايا، أو خص بعضهم بعطية، ثم مات قبل أن يسترده، ثبت ذلك للموهوب له، ولزم، وليس لبقية الورثة الرجوع. هذا المنصوص عن أحمد، في رواية محمد بن الحكم، والميموني، وهو اختيار الخلال، وصاحبه أبي بكر. وبه قال مالك، والشافعي، وأصحاب الرأي، وأكثر أهل العلم. وفيه رواية أخرى عن أحمد، أن لسائر الورثة أن يرتجعوا ما وهبه. اختاره ابن بطة وأبو حفص العكبريان. وهو قول عروة بن الزبير، وإسحاق. انتهى.
وقال ابن تيمية -رحمه الله-: وَأَمَّا الْوَلَدُ الْمُفَضَّلُ فيَنْبَغِي لَهُ الرَّدُّ بَعْدَ الْمَوْتِ قَوْلًا وَاحِدًا. وَهَلْ يَطِيبُ لَهُ الْإِمْسَاكُ إذَا قُلْنَا لَا يُجْبَرُ عَلَى الرَّدِّ. كَلَامُ أَحْمَدَ يَقْتَضِي رِوَايَتَيْنِ. انتهى من الفتاوى الكبرى.
والله أعلم.