السؤال
ما حكم القول: إنه قد أصابتني هذه المصيبة، أو الحادث، أو القدر، أو البلاء، أو العذاب؛ لأني فعلت كذا وكذا، أو القول: هذه المصيبة رادعة لي عن ذنب، وتقيني، وتمنعني من فعله؟ وهل في هذه الأقوال تَأَلٍّ على الله تبارك وتعالى، أو قول عليه بغير علم، أو خوض في الغيب، والقدر، أو إيذاء لله تبارك وتعالى؟ وهل هذه الأقوال كفر أكبر؟ فبعض الناس يقولون ذلك، ويفكّرون بهذه الطريقة، وهم المذكورون في هذه الآية الكريمة: "ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون"، وماذا لو قلناها دون ذكر الله تبارك وتعالى، ودون ذكر القدر؟ وماذا لو قلناها دون تأكيد سبب المصائب والأحداث غير جازمين؟ فنقول: حصلت المصيبة، وربما سببها ذلك الذنب، أو أنها وقاية، ورادعة، ومانعة عن فعل ذنب ما، أو القول: إنك لا تدري لو لم تصبك هذه المصيبة، ماذا كنت ستفعل من الذنوب والمعاصي؛ فالمصيبة منعتك من الذنوب، وردعتك؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فليس في مثل هذه الأقوال تَأَلٍّ على الله تبارك وتعالى، أو قول عليه بغير علم، أو إيذاء له سبحانه، أو خوض في الغيب والقدر، فضلًا عن الكفر! وغاية ما في المسألة أن الجزم بأن مصيبة معينة أصابت المرء بسبب ذنب معين، يحتمل الصواب والخطأ! بخلاف من أطلق ذلك في المصائب والذنوب عمومًا؛ فقد أصاب، وقال حقًّا، ويدل على ذلك الآية الكريمة التي ذكرها السائل، قال الواحدي في الوجيز: {ولنذيقنهم من العذاب الأدنى} قيل: المصيبات في الدُّنيا، وقيل: القتل ببدر، وقيل: عذاب القبر، وقيل: الجوع سبع سنين، والأولى المُصيبات، والجوع؛ لقوله: {لعلهم يرجعون}. اهـ.
وأوضح من ذلك في الدلالة قوله تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30]، قال ابن عطية في المحرر الوجيز: قالت فرقة: هي إخبار من الله تعالى بأن الرزايا والمصائب في الدنيا، إنما هي مجازاة من الله تعالى على ذنوب المرء وخطاياه، وأن الله تعالى يعفو عن كثير؛ فلا يعاقب عليه بمصيبة.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يصيب ابن آدم خدش عود، أو عثرة قدم، ولا اختلاج عرق، إلا بذنب، وما يعفو عنه أكثر».
وقال عمران بن حصين -وقد سئل عن مرضه-: "إنّ أحبّه إليّ أحبّه إلى الله، وهذا بما كسبت يداي، وعفو ربي كثير".
وقال مرة الهمداني: رأيت على ظهر كف شريح قرحة، فقلت: ما هذا؟ قال: "هذا بما كسبت يدي، وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ".
وقيل لأبي سليمان الداراني: ما بال الفضلاء لا يلومون من أساء إليهم؟ فقال: "لأنهم يعلمون أن الله تعالى هو الذي ابتلاهم بذنوبهم".
وروي عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله أكرم من أن يثني على عبده العقوبة، إذا أصابته في الدنيا بما كسبت يداه».
وقال الحسن بن أبي الحسن: معنى الآية في الحدود: أي: ما أصابكم من حد من حدود الله، وتلك مصائب تنزل بشخص الإنسان ونفسه؛ فإنما هي بكسب أيديكم {وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ} فستره على العبد حتى لا يحدّ عليه. اهـ.
ويدل على ذلك أيضًا قوله تعالى: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ [النساء:79]، قال الواحدي: {ما أصابك} يا ابن آدم {من حسنة} فتح، وغنيمةٍ، وخصبٍ؛ فمن تفضُّل الله {وما أصابك من سيئة} من جدبٍ، وهزيمةٍ، وأمرٍ تكرهه {فمن نفسك} فبذنبك يا ابن آدم. اهـ.
وقوله تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم:41]، قال الواحدي: {ظهر الفساد} القحط، وذهاب البركة {في البر} القفار {والبحر} القرى، والرِّيف {بما كسبت أيدي الناس} بشؤم ذنوبهم {ليذيقهم بعض الذي عملوا} كان ذلك لِيُذَاقوا الشِّدَّة بذنوبهم في العاجل. اهـ.
والله أعلم.