السؤال
منذ أن بدأت أصلّي جماعةً، كنت أخطئ في جلوس التشهد عند قيامي لقضاء ما فاتني، فإذا فاتتني ركعتان، أو أكثر، كنت أجلس للتشهّد في الركعة الثانية لي بعد سلام الإمام، فإذا أدركت ركعتين من صلاة العشاء، وقمت لأقضي الباقي، كنت لا أجلس للتشهد إلا في الركعة الأخيرة، فهل صلاتي باطلةٌ، وعليّ قضائها؟ وكيف أقضيها؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإذا أدركت من العشاء ركعتين، فإنك لا تجلس في أولى المقضيات، وإنما تجلس في آخر صلاتك فحسب، وهذا لا إشكال فيه، ولا خلاف.
وإنما الخلاف فيما إذا أدركت ركعة من رباعية، أو ركعة من المغرب مثلًا، فمن العلماء من يرى أنك إن أدركت ركعة في رباعية، فإنك تتشهد في أولى المقضيات، وبعضهم يرى أنك تتشهّد في ثانية المقضيات، ومذهب الأكثر هو الأول، وأنك تتشهّد في أولى المقضيات، سواء قيل: إن ما أدركته مع الإمام هو أول صلاتك، أو آخرها.
وما مضى من صلاتك؛ فهو صحيح، لا إعادة عليك فيه؛ إذ الأمر واسعٌ ـ إن شاء الله ـ، وهاك كلام ابن قدامة في المغني، وإيضاحه لهذه المسألة، حيث قال ما عبارته: وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي مَوْضِعِ الْجَلْسَةِ، وَالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فِي حَقِّ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْمَغْرِبِ، أَوْ الرُّبَاعِيَّةِ، إذَا قَضَى:
فَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ إذَا قَامَ اسْتَفْتَحَ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ مُتَوَالِيَتَيْنِ، يَقْرَأُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُورَةٍ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ، وَفَعَلَ ذَلِكَ جُنْدُبٌ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا أَوَّلُ صَلَاتِهِ؛ فَلَمْ يَتَشَهَّدْ بَيْنَهُمَا، كَغَيْرِ الْمَسْبُوقِ، وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى صِفَةِ الْأَدَاءِ، وَالْأَدَاءُ لَا جُلُوسَ فِيهِ، وَلِأَنَّهُمَا رَكْعَتَانِ يَقْرَأُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَسُورَةٍ؛ فَلَمْ يَجْلِسْ بَيْنَهُمَا، كالمؤدّاتين.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ يَقُومُ فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ، يَقْرَأُ فِيهَا بِالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَسُورَةٍ، ثُمَّ يَجْلِسُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَأْتِيَ بِأُخْرَى بِالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَسُورَةٍ، فِي الْمَغْرِبِ، أَوْ بِرَكْعَتَيْنِ مُتَوَالِيَتَيْنِ فِي الرُّبَاعِيَّةِ، يَقْرَأُ فِي أُولَاهَا بِالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَسُورَةٍ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِالْحَمْدُ وَحْدَهَا، نَقَلَهَا صَالِحٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَالْأَثْرَمُ، وَفَعَلَ ذَلِكَ مَسْرُوقٌ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: كَمَا فَعَلَ مَسْرُوقٌ يفْعَلُ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ؛ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِلزُّهْرِيِّ: مَا صَلَاةٌ يُجْلَسُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْهَا؟ قَالَ سَعِيدٌ: هِيَ الْمَغْرِبُ إذَا أَدْرَكْت مِنْهَا رَكْعَةً، وَلِأَنَّ الثَّالِثَةَ آخِرُ صَلَاتِهِ فِعْلًا، فَيَجِبُ أَنْ يَجْلِسَ قَبْلَهَا، كَغَيْرِ الْمَسْبُوقِ، وَقَدْ رَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: جَاءَ جُنْدُبٌ، وَمَسْرُوقٌ إلَى الْمَسْجِدِ، وَقَدْ صَلَّوْا رَكْعَتَيْنِ مِنْ الْمَغْرِبِ، فَدَخَلَا فِي الصَّفِّ، فَقَرَأَ جُنْدُبٌ فِي الرَّكْعَةِ الَّتِي أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ، وَلَمْ يَقْرَأْ مَسْرُوقٌ، فَلَمَّا سَلَّمَ الْإِمَامُ، قَامَا فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، فَقَرَأَ جُنْدُبٌ، وَقَرَأَ مَسْرُوقٌ، وَجَلَسَ مَسْرُوقٌ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، وَقَامَ جُنْدُبٌ، وَقَرَأَ مَسْرُوقٌ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ، وَلَمْ يَقْرَأْ جُنْدُبٌ، فَلَمَّا قَضَيَا الصَّلَاةَ أَتَيَا عَبْدَ اللَّهِ، فَسَأَلَاهُ عَنْ ذَلِكَ، وَقَصَّا عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: كَمَا فَعَلَ مَسْرُوقٌ يُفْعَلُ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إذَا أَدْرَكْت رَكْعَةً مِنْ الْمَغْرِبِ؛ فَاجْلِسْ فِيهِنَّ كُلِّهِنَّ.
وَأَيًّا مَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ؛ جَازَ ـ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ـ وَلِذَلِكَ لَمْ يُنْكِرْ عَبْدُ اللَّهِ عَلَى جُنْدُبٍ فِعْلَهُ، وَلَا أَمَرَهُ بِإِعَادَةِ صَلَاتِهِ. انتهى.
والله أعلم.