الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمحمل هذين الحديثين عند الجمهور على حكم القتل أو المقاتلة، لا على الكفر والحكم بالخروج من الملة! ومن المعلوم أن الحكم بالقتل -فضلا عن المقاتلة- لا يلزم منه الحكم بالكفر، فليس كل من يستحق القتل يكون كافرا، وجمهور الفقهاء يوجبون قتل تارك الصلاة بالكلية إذا لم يتب ويقم الصلاة.
قال ابن رشد في «المقدمات الممهدات» بعد أن ذكر قول من قال بكفر تارك الصلاة:
القول الثاني: هو ما ذهب إليه مالك والشافعي وأكثر أهل العلم، أن من ترك الصلاة وأبى من فعلها وهو مقر بفرضها، فليس بكافر، ولكنه يقتل على ذنب من الذنوب لا على كفر، ويرثه ورثته من المسلمين.
والحجة لهم: قول أبي بكر الصديق في جماعة من الصحابة في الذين منعوا زكاة أموالهم: "والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة"، فقاتلهم ولم يسبهم؛ لأنهم لم يكفروا بعد الإيمان، ولا أشركوا بالله، وقالوا لأبي بكر: ما كفرنا بعد إيماننا، ولكننا شححنا على أموالنا. وقول النبي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «نهيت عن قتل المصلين»، فدل ذلك على أنه قد أمر بقتل من لم يصل. وما روي أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "سيكون عليكم أمراء تعرفون وتنكرون، فمن أنكر فقد برئ، ومن كره فقد سلم، ولكن من رضي وتابع" قالوا: يا رسول الله، ألا نقاتلهم؟ قال: "لا، ما صلوا الخمس"
فدل ذلك على أن من لم يصل الخمس قوتل. وقوله في مالك بن الدخشن: "أليس يصلي؟" قالوا: بلى، ولا صلاة له، قال: "أولئك الذين نهانا الله عنهم" فدل على أنه لو لم يصل لم يكن من الذين نهاه الله عن قتلهم، بل كان يكون ممن أمر الله بقتلهم.
فدلت هذه الآثار كلها على القتل، ولم تدل على الكفر.
وتأولوا الآثار الواردة بتكفير من ترك الصلاة في ظاهرها على ما تأولوا عليه قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن»، وعلى ما تأولوا عليه «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» وعلى ما تأولوا عليه قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض»... اهـ.
فدلالة هذين الحديث عند الجمهور إنما هي في مسألة الإمامة وانعقادها، وحكم الخروج على الأئمة، ففيهما دليل على مشروعية ذلك إذا ترك الحاكم الصلاة، كما دل حديث عبادة على ذلك في حال طروء الكفر على الحاكم، فهما سببان متغايران.
ولذلك قال القاضي عياض في «إكمال المعلم» - ونقله عنه النووي في شرح مسلم-: لا خلاف بين المسلمين أنه لا تنعقد الإمامة للكافر، ولا تستديم له إذا طرأ عليه، وكذلك إذا ترك إقامة الصلوات والدعاء إليها. اهـ.
وقال الطيبي في شرح المشكاة: قوله: ((ما أقاموا فيكم الصلاة)) فيه إشعار بتعظيم أمر الصلاة، وأن تركها موجب لنزع اليد من الطاعة، كالكفر على ما سبق في حديث عبادة بن الصامت في قوله: ((إلا أن تروا كفراً بواحاً)). اهـ.
والذي نرجحه في موقعنا هو قول الجمهور، وقد حُكي عليه الإجماع.
قال الحافظ ابن عبد البر في «الاستذكار»: أجمعوا أنه من تركها وهو قادر على إتيانها ممن تجب عليه، أنه غير كافر بفعله ذلك إلا أن يكون جاحدا لها، مستكبرا عنها. اهـ.
وراجع في ذلك الفتاوى: 176391، 130853، 162523، 294145، 283498، 453916.
والله أعلم.