السؤال
ما الأفضل والأحبّ إلى الله: الإكثار من نوافل الطاعات، أم ترك المعاصي المحرمة، مع القليل من النوافل، وكل ذلك بعد أداء الفرائض؟
ما الأفضل والأحبّ إلى الله: الإكثار من نوافل الطاعات، أم ترك المعاصي المحرمة، مع القليل من النوافل، وكل ذلك بعد أداء الفرائض؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فترك المعاصي مع فعل القليل من النوافل، أفضل من الإكثار من النوافل؛ فإن ترك المعصية حتم واجب، بخلاف النوافل، فهي مستحبة، قال الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم: قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا نهيتكم عن شيء، فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمرٍ، فأتوا منه ما استطعتم"، قال بعض العلماء: هذا يؤخذ منه أن النهي أشدّ من الأمر؛ لأن النهي لم يرخّص في ارتكاب شيء منه، والأمر قيّد بحسب الاستطاعة، وروي هذا عن الإمام أحمد، ويشبه هذا قول بعضهم: أعمال البِرّ يعملها البَرّ، والفاجر، وأما المعاصي، فلا يتركها إلا صدّيق، وروي عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: اتّقِ المحارم، تكن أعبد الناس. وقالت عائشة -رضي الله عنها-: من سرّه أن يسبق الدائِب المجتهد، فليكفَّ عن الذنوب. وروي عنها مرفوعًا، وقال الحسن: ما عبد العابدون بشيء أفضل من ترك ما نهاهم الله عنه.
والظاهر أن ما ورد من تفضيل ترك المحرمات على فعل الطاعات، إنما أريد به على نوافل الطاعات، وإلا فجنس الأعمال الواجبات أفضل من جنس ترك المحرمات؛ لأن الأعمال مقصودة لذاتها، والمحارم المطلوب عدمها؛ ولذلك لا تحتاج إلى نية، بخلاف الأعمال..
ويشهد لذلك قول ابن عمر -رضي الله عنهما-: لردّ دانق حرام، أفضل من مائة ألف تنفق في سبيل الله. وعن بعض السلف قال: ترك دانق مما يكرهه الله، أحبّ إلى الله من خمسمائة حجة. وقال ميمون بن مهران: ذكر الله باللسان حسن، وأفضل منه أن يذكر العبد الله عند المعصية؛ فيمسك عنها.. وقال عمر بن عبد العزيز: ليست التقوى قيام الليل، وصيام النهار، والتخليط فيما بين ذلك! ولكن التقوى أداء ما افترض الله، وترك ما حرّم الله، فإن كان مع ذلك عمل؛ فهو خير إلى خير...
وحاصل كلامهم يدلّ على أن اجتناب المحرّمات ـ وإن قلّت ـ فهي أفضل من الإكثار من نوافل الطاعات؛ فإن ذلك فرض، وهذا نفل. اهـ.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني