الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الدعاء بالشفاء، أو لرفع البلاء.. لا يعتبر من الاعتداء في الدعاء، بل هو مطلوب شرعا، ومرغوب طبعا، ولا يتنافى مع الرضا بما قدره الله تعالى.
والاعتداء في الدعاء أن يسأل العبد، أو يدعو بما يخالف سنن الله الكونية، كأن يسأل تخليده في الدنيا إلى يوم القيامة، أو يسأله أن يرفع عنه لوازم البشرية: من الحاجة إلى الطعام والشراب، أو يرزقه ولدا من غير زوجة، أو ما أشبه ذلك؛ فقد قال تعالى: فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا {فاطر:43}.
أما كون المرض المذكور لا شفاء له، فهذا غير صحيح ؛ فقد روى مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لِكُلِّ داءٍ دَواءٌ، فإِذا أُصيِبَ دَواءُ الدّاءِ بَرَأَ بإِذنِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ. وفي المسند عن ابن مسعود -رضي الله عنه- يرفعه: إن الله -عز وجل- لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء. علمه من علمه، وجهله من جهله. وصحح أحمد شاكر إسناده.
ولذلك فإن الذي ننصحك به -بعد تقوى الله تعالى- هو الإكثار من الدعاء، وقراءة القرآن بنية الشفاء ؛ فقد قال الله تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ {الإسراء: 82} وخاصة سورة الفاتحة؛ فإن من أسمائها: الشافية الكافية..
وقال عنها ابن القيم في الطب النبوي: فَمَا تَضَمَّنَتْهُ الْفَاتِحَةُ مِنْ إِخْلَاصِ الْعُبُودِيَّةِ وَالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ، وَتَفْوِيضِ الْأَمْرِ كُلِّهِ إِلَيْهِ، وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِ، وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، وَسُؤَالِهِ مَجَامِعَ النِّعَمِ كُلِّهَا، وَهِيَ الْهِدَايَةُ الَّتِي تَجْلِبُ النِّعَمَ، وَتَدْفَعُ النِّقَمَ مِنْ أَعْظَمِ الْأَدْوِيَةِ الشَّافِيَةِ الْكَافِيَةِ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ مَوْضِعَ الرُّقْيَةِ مِنْهَا: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.
وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ مِنْ أَقْوَى أَجْزَاءِ هَذَا الدَّوَاءِ، فَإِنَّ فِيهِمَا مِنْ عُمُومِ التَّفْوِيضِ وَالتَّوَكُّلِ، وَالِالْتِجَاءِ وَالِاسْتِعَانَةِ، وَالِافْتِقَارِ وَالطَّلَبِ، وَالْجَمْعِ بَيْنَ أَعْلَى الْغَايَاتِ، وَهِيَ عِبَادَةُ الرَّبِّ وَحْدَهُ، وَأَشْرَفِ الْوَسَائِلِ وَهِيَ الِاسْتِعَانَةُ بِهِ عَلَى عِبَادَتِهِ، مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهَا.
وَلَقَدْ مَرَّ بِي وَقْتٌ بِمَكَّةَ سَقِمْتُ فِيهِ، وَفَقَدْتُ الطَّبِيبَ وَالدَّوَاءَ، فَكُنْتُ أَتَعَالَجُ بِهَا آخُذُ شَرْبَةً مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَأَقْرَؤُهَا عَلَيْهَا مِرَارًا، ثُمَّ أَشْرَبُهُ فَوَجَدْتُ بِذَلِكَ الْبُرْءَ التَّامَّ، ثُمَّ صِرْتُ أَعْتَمِدُ ذَلِكَ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْأَوْجَاعِ فَأَنْتَفِعُ بِهَا غَايَةَ الِانْتِفَاع. اهـ.
ولتعلم أن استجابة الدعاء تكون بإحدى ثلاث، وردت في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إحْدَى ثَلَاثٍ: إمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِن السُّوءِ مِثْلَهَا. قَالُوا إذَنْ تَكْثُرُ. قَالَ اللَّهُ أَكْثَرُ. رواه أحمد وصححه الحاكم والألباني.
وأما شعورك عند الدعاء بأن الشفاء قادم... فهذا هو المطلوب شرعا، كما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ. وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ. رواه الترمذي وغيره، وحسنه الألباني.
ومما ننصحك به أيضا اتخاذ الأسباب من العلاج عند الأطباء، وطلب الاستشارة من أهل الاختصاص..
نسأل الله لنا ولك الشفاء من كل داء.
والله أعلم.