السؤال
كنت مراهقا قبل تسع سنوات، وكانت صحبتي سيئة؛ فقد تعلمت منهم السرقة، وأصبحت من طباعي حتى مَنّ الله علي بالتوبة، ولم أعد أسرق أبدا منذ زمن طويل.
والحمد لله، بدأت أبواب الرزق تفتح، وأريد سداد الديون، لكني لا أستطيع أن أرجع المبالغ لأصحابها؛ لأن الأمر مر عليه زمن طويل، ونسيت وجوههم إلا أنه لا يهنأ لي نوم، وضميري غير مرتاح منذ أن تبت إلى الله توبة نصوحا.
فهل يمكنني أن أخرج صدقات بالمبالغ التي أتذكرها عن أصحابها، وأعتبر أن المبالغ قد رجعت لهم؟
لا أتذكر جميع المبالغ؛ لذا سأضاعف في مال الصدقة قدر المستطاع، بنية التسديد.
علما بأني لا أستطيع الذهاب للأشخاص شخصيا؛ لأنه أمر صعب حقا، وسيدمر كل النجاح والسمعة الطيبة التي رزقني بها الله بعد توبتي.
فأرجو إفادتي، وجزاكم الله كل خير.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن السرقة محرمة تحريما شديدا، ولكن من تاب إلى الله -تعالى- توبة صادقة، مستجمعة لشروطها؛ فإن الله -عز وجل- وعد بقبول توبته، كما قال تعالى: فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {المائدة:39}، وكما قال تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى { طـه:82}.
وبما أنك -أيها السائل- قد تبت من السرقة، فنرجو أن تكون توبتك مقبولة، ولم يبق عليك إلا الإتيان ببقية شروط التوبة وهي: رد المال المسروق إلى أهله.
وما ذكرته من أنك لا تستطيع الذهاب للأشخاص الذين سرقت منهم -شخصيا-؛ لأنه أمر صعب.
فجوابه: أنه لا بد من رد تلك المبالغ المسروقة إلى أهلها، ولا يلزمك إخبارهم بحقيقة الأمر، فيمكنك أن تردها إليهم بشكل غير مباشر، أو أن تضع المال في حسابهم، أو ترسلها إليهم عن طريق شخص يخبرهم بأن شخصاً ما أرسل إليكم هذه الأموال، وهي لكم، ولن تعدم حيلة توصل بها الحقوق من غير إحراج.
ولا يجزئ أن تتصدق بالمال عنهم ما دمت تعرفهم، وتستطيع إيصال المال إليهم بوسيلة ما.
وأما من سرقت منهم ولا تعرف مكانهم، أو نسيت وجوههم، فتصدق بالمبلغ المسروق عنهم.
وقد نص أهل العلم على أن الغاصب إذا جهل صاحب المال المغصوب، ولم يتمكن من إيصال المال إليه ولا لورثته؛ لعدم علمه بهم، فإنه يتصدق به عنه مضمونا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: إذا كان بيد الإنسان غصوب أو عواري، أو ودائع أو رهون قد يئس من معرفة أصحابها، فإنه يتصدق بها عنهم، أو يصرفها في مصالح المسلمين، أو يسلمها إلى قاسم عادل يصرفها في مصالح المسلمين المصالح الشرعية. اهـ.
قال الحجاوي في زاد المستقنع: وإن جهل ربه، تصدق به عنه مضمونا. اهـ.
قال البهوتي في الروض المربع: أي بنية ضمانه إن جاء ربه، فإذا تصدق به كان ثوابه لربه، وسقط عنه إثم الغصب. اهـ.
وإذا كنت تجهل مقدار الحق، فاجتهد برد ما يغلب على ظنك براءة ذمته به.
وللفائدة، يرجى مراجعة هاتين الفتويين: 407479، 434563.
والله أعلم.