السؤال
أسأل عن صحة ما قرأت: يروى في الأثر موقوفا: إن من الذنوب ما لا يكفرها إلا الهموم. وهذا من رحمة الله، فالله يحرق الذنب بحرارة الهمِّ. فهو لم يصبك بمصيبة مادية فأهلك عليك مالك وولدك، ولكنه أصابك بمصيبة شعورية، مقابل أخطائك الفادحة معه، فليس كل همٍّ شرا.
سؤالي عن صحة هذا الأثر. فقد بحثت ولم أجد نفس النص، ولكن قرأت أن هناك من السلف من قال عن هم الأولاد. ولم يجعل الهم مطلقا.
وقولهم إنه يروى موقوفا، والذي أعرفه أن الموقوف يكون عن صحابي. فهل ورد الأثر عن صحابي؟ وهل يصح قول كلمة: موقوف، إذا كانت عن السلف عموما؟
وما صحة تفسير الكاتب الموضح للأثر. هل عليه تعليق؟ وهل يصح نشره؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما لفظ: "إن من الذنوب ما لا يكفرها إلا الهموم" فلم نظفر به مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ، في شيء من كتب السنة ودواوينها.
وقد روي بسند ضعيف مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ: «إِنَّ مِنَ الذُّنُوبِ ذَنُوبًا لَا تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَلَا الصِّيَامُ، وَلَا الْحَجُّ وَلَا الْعُمْرَةُ» قَالُوا: فَمَا يُكَفِّرُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الْهُمُومُ فِي طَلَبِ الْمَعِيشَةِ». رواه الطبراني من حديث أبي هريرة.
قال الحافظ العراقي في تخريج الإحياء: رواه الطبراني في الأوسط، وأبو نعيم في الحلية، والخطيب في تلخيص المتشابه من حديث أبي هريرة. بإسناد ضعيف. اهــ.
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَفِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ الْمِصْرِيُّ، قَالَ الذَّهَبِيُّ: حَدَّثَ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ بِخَبَرٍ مَوْضُوعٍ. اهــ.
وقال الألباني في السلسلة الضعيفة: قلت: اتهمه الذهبي بهذا الحديث، فقال: "حدث عن يحيى بن بكير، عن مالك بخبر موضوع". قلت: وهو هذا.. اهـ. يعني حديث الطبراني الذي ذكرنا.
وذكر الألباني في الضعيفة حديث: إن من الذنوب ذنوبا لا يكفرها صيام ولا صلاة، ولا حج، ولا جهاد، إلا الغموم والهموم في طلب العلم.
وقال فيه: رواه أبو نعيم في "أخبار أصبهان" (1 / 287) عن أحمد بن علي بن زيد الدينوري: حدثنا يزيد بن شريح بن مسلم الخوارزمي: حدثنا علي بن الحسين بن واقد: حدثني أبي: حدثنا أبو غالب عن أبي أمامة مرفوعا. قلت: وهذا سند ضعيف، أحمد بن علي ويزيد بن شريح لم أجد من ترجمهما.... اهـ
وذكره بعض العلماء عن بعض السلف من قولهم بلفظ قريب، ولم يذكر الموقوف عليه هل هو صحابي أم تابعي أم من دونهما؟ كما لم يذكر السند، ولم يَعْزُه لمصدر من مصادر الحديث.
فقد قال الغزالي في الإحياء: وقال بعض السلف: من الذنوب ذنوب لا يكفرها إلا الغم بالعيال. اهــ.
وانظري الفتوى: 39721عن الموقوف والمقطوع، ومدى الاحتجاج بهما.
وأنت ترين أنه لم يثبت شيء بالألفاظ المذكورة، ولكن ثبت أن الهموم عموما كفارات، كما في صحيح البخاري.
عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما يصيب المسلم، من نَصب ولا وَصَب، ولا هم ولا حزن، ولا أذى، ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه.
وأما تفسير الكاتب المشار إليه فإنه يحتمل الصواب، لا سيما قوله في آخر الجملة: ليس كل هم شر، فقد يكون الأمر في ظاهره شرا، وهو خير للعبد، كما قال تعالى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ. {سورة البقرة:206}.
ولا نرى مانعا من نشره، مع التنبيه أنه لم يثبت الحديث بذلك.
والله أعلم.