السؤال
قبل زواجي بعامين كنت أرتكب ذنبا، ولكي أمنع منه نفسي، دعوت على أطفالي بالمرض إن فعلت هذا الذنب. مع العلم أني حينها لم يكن لديَّ أطفال. وبعد أيام رجعت لارتكابه، وأنا الآن حامل، وخائفة على طفلي من ذلك الدعاء. فهل إذا تبت من هذا الدعاء يمحى أثره، ولا يصيب أطفالي شيء؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد قلت في السؤال: (ولكي أمنع من الذنب نفسي، دعوت على أطفالي بالمرض إن فعلته، مع العلم أني حينها لم يكن لديَّ أطفال) وهذا يحتمل أن تكوني قصدت الدعاء عليهم الآن وهم غير موجودين، وحينئذ لا يكون لذلك الدعاء أثر، بل هو لغو.
ويحتمل أن يكون قصدك الدعاء عليهم إن رزقك الله بهم. وهذا خطأ، ووسيلة غير مشروعة لحمل النفس على الكف والانتهاء عن المحرمات، فقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الدعاء على الأولاد في قوله -عليه الصلاة والسلام-: لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى خَدَمِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ. لَا تُوَافِقُوا مِنْ اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- سَاعَةَ نَيْلٍ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبَ لَكُمْ. رواه مسلم وأبو داود، واللفظ له.
والدعاء على الولد بما فيه ضرر، يعتبر من الدعاء بالشر والاستعجال به.
كما قال مجاهد في تفسير قوله تعالى: وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ {يونس:11}.
قال: هو قول الإنسان لولده وماله إذا غضب عليه: اللهم لا تبارك فيه، والْعَنْه ـ فلو يعجل لهم الاستجابة في ذلك، كما يستجاب لهم في الخير لأهلكهم. اهـ.
ومن رحمة الله -تعالى- أنه لا يستجيب دعاء الوالدين على أولادهما إذا كان في وقت الغضب والضجر، وذلك لقوله تعالى: وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ. {يونس: 11/}.
قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره: يخبر -تعالى- عن حلمه ولطفه بعباده، وأنه لا يستجيب لهم إذا دعوا على أنفسهم، أو أموالهم، أو أولادهم؛ في حال ضجرهم، وغضبهم. وأنه يعلم منهم عدم القصد بالشر إلى إرادة ذلك، فلهذا لا يستجيب لهم - والحالة هذه- لطفاً ورحمة، كما يستجيب لهم إذا دعوا لأنفسهم, أو لأموالهم, أو لأولادهم, بالخير والبركة والنماء. انتهى.
وهذا لا يتعارض مع الجزم المفهوم من قول الرسول الكريم في الحديث السابق: ثلاث دعوات مستجابات، لا شك فيهن: دعوة الوالد على ولده...
لأن الذي يظهر -والعلم عند الله- أن هذا مخصوص بالولد العاق، المغالي في عقوقه وبغيه.
قال في فيض القدير عند شرح هذا الحديث: ثم الظاهر أن ما ذكر في الولد، مخصوص بما إذا كان الولد كافرا، أو عاقًّا غاليًا في العقوق لا يرجى بره. انتهى.
والله أعلم.