السؤال
أود أن أستفسر عن تفسير حديث: من علامات الساعة أن تلد الأمة ربتها. فوالدتي لديها قناعة كاملة أن معنى هذا الحديث هو أن الذكور من الأولاد هم الأكثر بِرًّا، أما الإناث: فهن العاقَّات، بدلالة حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهي دائما ما تكرر هذا الحديث أمامي، لإقناعي بأنني كبنت لست بارة، وأن إخوتي هم البارون مهما فعلت، فحديث رسول الله -عليه الصلاة والسلام- هو أكبر دليل على ذلك.
علما أن إخوتي مغتربون، ولا يفعلون لها شيئا سوى الاتصال بها يوميا لمدة ربع ساعة فقط، وإرسال مبلغ مالي بسيط لها في نهاية الشهر. أما أنا كبنت غير متزوجة، ومقيمة معها: فأنا المسؤولة عن إعداد الطعام، وترتيب المنزل، وجلب حاجاتها من ملابس وغيرها، وأخذها إلى الطبيب عند الحاجة، فضلا عن الخروج بها للتسلية إلى الحدائق وغيرها، وهي مقتنعة تمام الاقتناع أن هذا كله ليس من البر، وأن البر فقط هو ما يفعله إخوتي، وأنا كل ما أفعله هو فقط واجبي تجاهها.
فسؤالي: هل ترتيب المنزل، وإعداد الطعام للأم هو من البر بها؟ أم أنه شيء عادي لا أجر لي في فعله؟ وهل معنى الحديث أعلاه فعليا أن الإناث هن العاقات في نهاية الزمان؟ أم أنه يشمل عقوق الأبناء بشكل عام؟
وجزاكم الله عنا كل خير.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فما فهمته أمّك من كون الإناث أكثر عقوقا، والذكور أكثر برا، بناء على الحديث المذكور؛ فهو فهم غير صحيح، ولم يقل به أحد من أهل العلم -فيما نعلم-. فقوله -صلى الله عليه وسلم-: أن تلد الأمة ربتها. اختلف أهل العلم في المراد به؛ وأكثرهم على أنّ المراد به استيلاء المسلمين على بلاد الكفار، فيكثر التسري بالإماء، وراجعي الفتوى: 120545.
والذين قالوا إنّ المراد بهذه العبارة كثرة العقوق؛ لم يقصروا العقوق على الإناث دون الذكور، وقد جاء في روايات الحديث: وأن تلد الأمة ربها ـ ففي شرح النووي على مسلم: قوله صلى الله عليه وسلم: أن تلد الأمة ربتها ـ وفي الرواية الأخرى: ربهاـ على التذكير، وفي الأخرى: بعلها. انتهى.
وقوله -صلى الله عليه وسلم- في الرواية المشهورة: ربتها ـ ليس مقصودا به تخصيص الإناث؛ قال القسطلاني -رحمه الله- في شرح صحيح البخاري: إذا ولدت المرأةـ وفي رواية أبي ذر: الأمة -ربتها- بتاء التأنيث، على معنى النسمة، ليشمل الذكر والأنثى. انتهى.
وقيامك بخدمة أمّك، وعنايتك بشؤونها؛ هو من صميم البر، والإحسان المأمور به، وهو من حقوق الأمّ على أولادها جميعا -ذكورهم وإناثهم- وراجعي الفتوى: 127286.
فنصيحتنا لك؛ أن تداومي على برّ أمّك، والإحسان إليها، مبتغية وجه الله تعالى، واعلمي أنّ برّ الأمّ من أفضل الطاعات، وأعجلها ثواباً، وأرجاها، وبركة في الرزق، والعمر، ففي الأدب المفرد للبخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما:.. إِنِّي لَا أَعْلَمُ عَمَلًا أَقْرَبَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ بِرِّ الْوَالِدَةِ.
والله أعلم.