السؤال
حصلت لي ضائقة مالية بسبب ظروف المعيشة، وربنا أكرمني بتوأم، وكنت أستلف نقودا من العمل بطريق غير مباشر، وبدون علم صاحب العمل، وأخذت قرضًا، وكنت أدخل في جمعيات محاولًا سداد هذه الديون، وإلا كانت ستتراكم أكثر، وأكثر، حتى كبر الدين، وأصبح مبلغا ضخما.
وهذا الشيء يحزنني؛ لأني أعلم أن هذا خيانة أمانة، وأنا أدعو الله كل يوم في صلاة الفجر بالفرج، ولكن أحتاج أن أسعى في ذلك، حتى اقترح عليَّ صديق أن أطلب من الجمعيات، حتى أسدد ما عليَّ من دين. فهل يجوز ذلك، أم لا؟ وهل الدعاء يقبل مني، أم لا؟
جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله -تعالى- أن يفرج عنك، ويقضي دينك، واعلم أن تصرفك في هذه الأموال، وأخذك منها بدون علم المالك يعد خيانة للأمانة، فقد حذر الله من خيانة الأمانة، فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ {الأنفال:27}. وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا {النساء: 107}، وقال: إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ {الأنفال: 58}.
وقال الهيتمي -رحمه الله- في الزواجر عن اقتراف الكبائر: الكبيرة الأربعون بعد المائتين: الخيانة في الأمانات كالوديعة، والعين المرهونة، أو المستأجرة، وغير ذلك. انتهى.
والواجب عليك في هذه الحال؛ التوبة إلى الله -تعالى-، ورد المال إلى صاحبه، أو استسماحه، ونوصيك بالمواظبة على الدعاء، وعدم الملل، والاستعجال، والمواظبة على أدعية زوال الكرب، وقضاء الدين؛ فإن الدعاء متى تحقّقت فيه شروط الإجابة، وانتفت موانعها؛ فإن الله -تعالى- قد تعهّد باستجابته، فقال: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ {غافر:60}.
وفي صحيح مسلم: يستجاب لأحدكم ما لم يدع بإثم، أو قطيعة رحم ما لم يستعجل، قيل يا رسول ما الاستعجال؟ قال يقول: قد دعوت، وقد دعوت، فلم أر يستجيب لي، فيستحسر، ويدع الدعاء.
وفي المسند أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذن نكثر، قال: الله أكثر. والحديث قال فيه الألباني في صحيح الترغيب: حسن صحيح.
وروى أحمد، وغيره عن ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما أصاب أحدًا قط همٌّ، ولا حزنٌ فقال: اللهم إني عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو علمته أحدا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله همه، وحزنه، وأبدله مكانه فرجا، قال: فقيل: يا رسول، ألا نتعلمها؟ فقال: بلى، ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها.
وعن علي -رضي الله عنه- أن مكاتبا جاءه، فقال: إني قد عجزت عن كتابتي، فأعني، قال، ألا أعلمك كلمات علمنيهنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لو كان عليك مثل جبل ثبير دينا، أداه الله عنك، قال: قل: اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك. رواه أحمد، والترمذي، والحاكم، وصححه الحاكم، وحسنه الأرناؤوط، والألباني.
وفي صحيح مسلم أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يدعو عند النوم: اللهم رب السماوات السبع، ورب العرش العظيم، ربنا، ورب كل شيء، فالق الحب، والنوى، ومنزل التوراة، والإنجيل، والفرقان، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، أنت الأول، فليس قبلك شيء، وأنت الآخر، فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر، فليس فوقك شيء، وأنت الباطن، فليس دونك شيء، اقضِ عنا الدين، وأغننا من الفقر.
وعن أنس قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ: أَلَا أُعَلِّمُكَ دُعَاءً تَدْعُو بِهِ، لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلٍ دَيْنًا لَأَدَّى اللَّهُ عَنْكَ؟ قُلْ يَا مُعَاذُ، اللَّهُمَّ مَالِكُ الْمُلْكِ، تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ، وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ، وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ، وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ، بِيَدِكَ الْخَيْرِ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، رَحْمَانُ الدُّنْيَا، وَالْآخِرَةِ تُعْطِيهُمَا مَنْ تَشَاءُ، وَتَمْنَعُ مِنْهُمَا مَنْ تَشَاءُ، ارْحَمْنِي رَحْمَةً تُغْنِينِي بِهَا عَنْ رَحْمَةِ مَنْ سِوَاكَ. رواه الطبراني في الصغير بإسناد جيد كما قال المنذري، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب.
ولا حرج عليك في الاستعانة ببعض الجمعيات التي تعين أصحاب الديون؛ فإن الغارم من مصارف الزكاة، كما قال الله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {التوبة: 60}
والله أعلم.